وبلزوم استعمال قوله عليهالسلام : «حتّى تعرف الحرام منه بعينه» في المعنيين أيضا ؛ لأنّ المراد حتّى تعرف من الأدلّة الشرعيّة «الحرمة» إذا اريد معرفة الحكم المشتبه ، وحتّى تعرف من الخارج من بيّنة أو غيرها «الحرمة» ، إذا اريد معرفة الموضوع المشتبه فليتأمّل (٤٠) ، انتهى. وليته أمر بالتأمّل في الإيراد الأوّل أيضا ، ويمكن إرجاعه إليهما معا ، وهو الأولى.
هذه جملة ما استدلّ به من الأخبار. والإنصاف ظهور بعضها في الدلالة على عدم وجوب الاحتياط فيما لا نصّ فيه في الشبهة (*) ، بحيث لو فرض تماميّة الأخبار الآتية للاحتياط وقعت المعارضة بينها ، لكن بعضها غير دالّ إلّا على عدم وجوب الاحتياط لو لم يرد أمر عامّ به ، فلا يعارض ما سيجيء من أخبار الاحتياط لو نهضت للحجيّة سندا ودلالة.
______________________________________________________
وبقوله عليهالسلام : «الحرام ما حرّم الله ورسوله» حيث دلّ على إباحة ما لم ترد حرمته في الكتاب والسنّة ، خرج ما خرج بالدليل وبقي الباقي. وربّما يقال : إنّ مدلوله من حيث إثبات الإباحة الواقعيّة وإن لم يطابق المدّعى من إثبات الإباحة الظاهريّة في موارد الشبهة ، إلّا أنّه يثبت فوق المدّعى ، فهو يكفي في ردّ أخبار الاحتياط.
وأنت خبير بأنّ أقصى مدلولها إباحة ما لم يرد نهي عنه في الكتاب والسنّة ، لا على إباحة ما لم يوجد على حرمته دليل فيما بأيدينا اليوم من الأدلّة بعد انطماس كثير منها أو أكثرها.
وبما رواه الصدوق في التوحيد عن حفص بن غياث النخعي القاضي قال : «قال أبو عبد الله عليهالسلام : من عمل بما علم كفي ما لم يعلم». ويردّ عليه أنّ ظاهره العفو وعدم المؤاخذة على ارتكاب المجهولات على تقدير العمل بالمعلومات ، ولا دلالة فيه على عدم الاستحقاق أيضا ، كما هو المقصود من إجراء أصالة البراءة ،
__________________
(*) في بعض النسخ زيادة : التحريمية.