وأمّا الإجماع فتقريره من وجهين : الأوّل : دعوى إجماع العلماء (١١٧٨) كلّهم من المجتهدين والأخباريّين على أنّ الحكم فيما لم يرد فيه دليل عقلي أو نقلي على تحريمه من حيث هو ولا على تحريمه من حيث إنّه مجهول الحكم ، هي البراءة وعدم العقاب على الفعل. وهذا الوجه لا ينفع إلّا بعد عدم تماميّة ما ذكر من الدليل العقلي والنقلي للحظر والاحتياط ، فهو نظير حكم العقل الآتي. الثاني : دعوى الإجماع على أنّ الحكم فيما لم يرد دليل على تحريمه من حيث هو ، هو عدم وجوب الاحتياط وجواز الارتكاب.
وتحصيل الإجماع بهذا النحو من وجوه : الأوّل : ملاحظة فتاوى العلماء في موارد الفقه ، فإنّك لا تكاد تجد من زمان المحدّثين إلى زمان أرباب التصنيف في الفتوى من يعتمد على حرمة شيء من الأفعال بمجرّد الاحتياط. نعم ، ربّما يذكرونه في طيّ الاستدلال في جميع الموارد حتّى في الشبهة الوجوبيّة التي اعترف القائلون بالاحتياط هنا بعدم وجوبه فيها. ولا بأس بالاشارة إلى من وجدنا في كلماتهم ما هو ظاهر في هذا القول ، فمنهم ثقة الإسلام الكليني قدسسره حيث صرّح في ديباجة الكافي : بأنّ الحكم فيما اختلف فيه الأخبار التخيير ، ولم يلزم الاحتياط مع ما ورد من الأخبار بوجوب الاحتياط فيما تعارض فيه النصّان وما لم يرد فيه نصّ بوجوبه في خصوص ما لا نصّ فيه ، فالظاهر : أنّ كلّ من قال بعدم وجوب الاحتياط هناك قال به هنا.
______________________________________________________
فتدبّر.
١١٧٨. فإن قلت : إنّ دعوى الإجماع على هذا الوجه غير مفيدة أصلا ، وإلّا كانت جميع المسائل الاصوليّة والفقهيّة إجماعيّة ، إذ لا ريب أنّ أحد الخصمين إذا سلّم بطلان دليله في المسألة كان موافقا لخصمه في المذهب.
قلت : يظهر أثر هذا الإجماع فيما لم يقم دليل على اعتبار أصالة البراءة ، إذ بعد إبطال أدلّة وجوب الاحتياط من العقل والنقل يثبت اعتبارها بهذا الإجماع.
وقد يقرّر الإجماع. بدعوى اتّفاق المجتهدين والأخباريّين على البراءة فيما لم يرد دليل من الكتاب والسنّة على تحريمه بعنوانه الخاصّ ، ولا بعنوان كونه مجهول