أمّا أصالة البراءة ، فلا تعارض الاستصحاب ولا غيره من الاصول والأدلّة ، سواء كان مدركها العقل أو النقل. أمّا العقل ، فواضح ؛ لأنّ العقل لا يحكم بقبح العقاب إلّا مع عدم الدليل على التكليف واقعا أو ظاهرا. وأمّا النقل ، فما كان منه مساوقا لحكم العقل (٢٧٢٣) فقد اتّضح أمره ، والاستصحاب وارد عليه.
وأمّا مثل قوله عليهالسلام : " كلّ شيء مطلق حتى يرد فيه نهي" ، فقد يقال (٢٧٢٤) إنّ مورد الاستصحاب خارج منه ؛ لورود النهي في المستصحب ولو بالنسبة إلى الزمان
______________________________________________________
وموضوع قاعدة الاحتياط هو احتمال العقاب ، وموضوع التخيير عدم الترجيح ، وهذه كلّها مرتفعة بالقاعدة. وأمّا الاستصحاب فهو حاكم على القاعدة إن قلنا باعتبارها من باب التعبّد ، وإن قلنا باعتبارها من باب الظنّ النوعي فالظاهر حصول التعارض بينهما.
وممّا ذكرناه يظهر ما في حكم المصنّف رحمهالله بكون عمومات الاستصحاب مخصّصة لعمومات القرعة ، لأنّ الحكم بالتخصيص إنّما يتمّ في غير مورد الحكومة على ما عرفت. هذا كلّه بناء على الإغماض عن انعقاد الإجماع على تقديم الاصول عليها ، وإلّا فلا مناص من العمل بمقتضاه ، ولكن ظاهر كلام المصنّف رحمهالله هنا عدم تحقّقه في المقام ، فتدبّر.
٢٧٢٣. مثل قوله عليهالسلام : «الناس في سعة ما لا يعلمون» ونحوه ، لتعلّق الحكم فيه بعدم العلم المساوق لعدم الدليل والبيان واقعا وظاهرا. هذا بخلاف قوله عليهالسلام : «كلّ شيء مطلق حتّى يرد فيه نهي» لتعليق الحكم بالإباحة فيه على عدم وصول نهي من الشارع الصادق مع ورود حكم ظاهري لمجهول الحرمة مخالف للإباحة. ولذا قد ذكر المصنّف رحمهالله في مسألة البراءة معارضة هذا الخبر مع أخبار الاحتياط ، بخلاف غيره من أخبار البراءة.
٢٧٢٤. القائل صاحب الرياض على ما حكاه عنه بعض مشايخنا. وحاصل ما ذكره : أنّه قد ثبتت بالإجماع ونحوه حرمة العصير قبل ذهاب ثلثيه بالنار ، بحيث لم