.................................................................................................
______________________________________________________
وأقول : لعلّ الوجه فيه أنّ البحث عن الأدلّة من حيث التعادل والترجيح متأخّر شأنا عن البحث عن سائر أحوالها ، كالبحث عنها من حيث الدلالة أو الحجّية ، لأنّ البحث عنها من حيث التعارض فرع دلالتها وحجّيتها ، ولذا أخّروا البحث عنها من هذه الحيثية عنه عن سائر الحيثيّات ، فجعلوا البحث عنها من هذه الحيثيّة في الخاتمة إشارة إلى كون ذلك آخر ما يبحث عنه في هذا العلم ، لا إلى خروجه من مسائله.
وأمّا ما أشرنا إليه من إكثارهم الخلاف في أكثر المسائل الاصوليّة ، فذلك مثل دعوى دخول مباحث الألفاظ طرّا ، وكذا البحث عن حجّية الكتاب والسنّة والإجماع والعقل في المبادي. ودخول البحث عن حجّية الأوّلين في الكلام ، وعن أصالة البراءة والاستصحاب والاجتهاد والتقليد في الفقه ، أو البحث عن الأخيرين في الكلام.
نظرا في الأوّل إلى أنّ مسائل كلّ علم هي النسب الخبريّة المتعلّقة بأحوال موضوع هذا العلم من حيث إنّها أحوال موضوع هذا العلم ، والبحث عن دلالة الأمر والنهي والعموم والخصوص وسائر ما يتعلّق بها من المباحث اللفظيّة ليس بحثا عن أحوال الأدلّة من حيث إنّها أحوالها ، لعموم عنوان هذه المباحث ، إذ البحث عن دلالة الأمر مثلا ليس مقيّدا بعنوان ورودها في الكتاب والسنّة ، ولذا تنسب الدلالة إليه ولو مع وروده في غيرهما أيضا. والبحث في مباحث العلوم إنّما هو عن الأحوال المختصّة بموضوعات تلك العلوم ، إذ البحث عن أحوال العامّ لا يعدّ بحثا عن أحوال الخاصّ ، فمن هنا تخرج تلك المسائل من مقاصد هذا العلم. نعم ، لمّا كان البحث عن أحوال الأدلّة من حيث حجّيتها أو تعادلها وترجيحها متوقّفا على معرفة تلك المسائل ، فلا بدّ من ذكرها في المبادي.
والجواب : أنّ عنوان تلك المسائل وإن كان أعمّ ، إلّا أنّ بحث الاصولي عنها إنّما هو بعنوان ورودها في الكتاب والسنّة ، لعدم تعلّق غرضه بغير ذلك ، لعدم حاجته