بين الاصول وما يحصّله المجتهد من الأدلّة الاجتهاديّة ؛ لأنّ موضوع الحكم في الاصول الشيء بوصف أنّه مجهول الحكم ، وفي الدليل نفس ذلك الشيء من دون ملاحظة ثبوت حكم له فضلا عن الجهل بحكمه ، فلا منافاة بين كون العصير المتّصف بجهالة حكمه حلالا على ما هو مقتضى الأصل ، وبين كون نفس العصير حراما كما هو مقتضى الدليل الدالّ على حرمته.
______________________________________________________
هذا كلّه في الحكم الواقعي بالقياس إلى مؤدّيات الاصول. ومنه يظهر قياس الواقع إلى مؤدّيات الطرق الاجتهاديّة ، لكونها ظاهريّة أيضا بالنسبة إلى الواقع الأوّلي. وكذا قياس مؤدّيات الطرق إلى مؤدّيات الاصول ، لكونها بمنزلة الواقع بالنسبة إليها.
وأمّا الثاني ، فإنّه يدفع الوجه الأوّل منع التضادّ بين الحكم الواقعي والظاهري بعد تغاير موضوعهما ، لأنّ موضوع الأوّل هو الواقع من حيث هو ، وموضوع الثاني هو الواقع بوصف كونه مجهولا. وقياسهما على وجوب إكرام زيد من جهة كونه ابن عمرو وإهانته من جهة كونه أخا بكر قياس مع الفارق ، لأنّ الموضوع في المقيس عليه واحد ، وكونه ابن عمرو وأخا بكر إنّما هما جهتا عروض الحكمين وسببه. ومنه يظهر ضعف الثالث أيضا.
وأمّا الثاني فيدفع بأنّ التكليف بما لا يطاق إنّما يلزم إذا تنجّز التكليف بالواقع مطلقا ، سواء علم به المكلّف أم لا ، وإلّا فمع كون الحكم الواقعي شأنيّا ، كما هو الفرض في موارد الجهل بالواقع ، فاللازم منتف لا محالة.
وأمّا الرابع فيندفع بأنّ مفسدة تفويت الواقع يندفع بتداركها بمصلحة اخرى وإن لم نعلمها تفصيلا ، واحتمال ذلك يدفع القبح المذكور. وممّا يكشف عن صحّة جميع ما ذكرناه حسن الاحتياط في موارد الاصول ، إذ الواقع لو كان مختصّا بها لم يبق مسرح للاحتياط حينئذ أصلا. وممّا ذكرناه تظهر الحال بالنسبة إلى سائر المراتب المذكورة التي منها ما نحن فيه ، وهي نسبة الأدلّة الاجتهاديّة إلى الاصول.