والدليل المفروض : إن كان بنفسه (٢٧٧٢)
______________________________________________________
٢٧٧٢. توضيح ما ذكره يتوقّف على بيان معنى الورود والحكومة ، والفرق بين الثاني والتخصيص ، والثمرة بينهما. وقد أشار المصنّف رحمهالله إلى كلّ منها ، فنقول : أمّا الأوّل فهو أن يكون أحد الدليلين رافعا لموضوع الدليل الآخر في بعض الموارد على سبيل الحقيقة ، كجميع الأدلّة القطعيّة بالنسبة إلى الاصول ، بل وسائر الأدلّة الظنّية أيضا بالنسبة إلى الاصول العقليّة. فمع الشكّ في حليّة العصير مثلا ، فأصالة البراءة وإن اقتضت حلّيته في الظاهر ، إلّا أنّه إذا انعقد الإجماع على حرمته يرتفع موضوع الإباحة الظاهريّة به حقيقة ، لأنّ موضوعها العصير بوصف كونه مشكوك الحكم ، والفرض زوال الشكّ بسببه. وكذا المائع المردّد بين كونه خمرا أو خلّا ، وحصل القطع بكونه أحدهما بشهادة جماعة مثلا ، وهكذا. وكذا الأدلّة الاجتهاديّة بالنسبة إلى الاصول العقليّة ، كأصالة البراءة الاحتياط والتخيير ، لأنّ موضوع الاولى عدم البيان ، والثانية احتمال العقاب ، والثالثة عدم الترجيح لأحد الطرفين ، وهذه كلّها ترتفع بالأدلّة الاجتهاديّة ، لصلاحيّتها للبيان ، وكونها دليلا قطعيّا على عدم العقاب ، لفرض كونها مقطوعة الاعتبار ، ومرجّحة لأحد الطرفين.
وأمّا الثاني فهو أن يكون أحد الدليلين رافعا لحكم الدليل الآخر عن بعض أفراد موضوعه بلسان التفسير والبيان ، بمنزلة التفسير بلفظ «أعني» ونحوه. فالحكومة أن يكون أحد الدليلين متعرّضا لحال الآخر ومبيّنا للمراد منه ومقدار مدلوله ، برفع حكمه عن بعض أفراد موضوعه مع صدق موضوعه عليه حقيقة. والمراد بالتفسير والبيان أن لا يفهم التنافي بينهما من أوّل النظر كالقرائن المتّصلة ، فيكون مجموع المحكوم والحاكم بمنزلة كلام واحد مشتمل على قرينة ارتكاب التجوّز في بعض فقراته ، نظير الأدلّة الاجتهاديّة بالنسبة إلى الاصول العمليّة الشرعيّة ، لأنّ خبر الواحد مثلا وإن لم يرفع الشكّ حقيقة عن موضوع الاستصحاب