فإن كان الأصل ممّا كان مؤدّاه بحكم العقل ـ كأصالة البراءة العقلية والاحتياط والتخيير العقليين ـ فالدليل أيضا وارد عليه ورافع لموضوعه ؛ لأنّ موضوع الأوّل عدم البيان ، وموضوع الثاني احتمال العقاب ، ومورد الثالث عدم المرجّح لأحد طرفي التخيير ، وكلّ ذلك يرتفع بالدليل العلمي المذكور.
وإن كان مؤدّاه من المجعولات الشرعية كالاستصحاب ونحوه ، كان ذلك الدليل حاكما على الأصل ، بمعنى أنّه يحكم عليه بخروج مورده عن مجرى الأصل ، فالدليل العلمي المذكور وإن لم يرفع موضوعه أعني الشك ، إلّا أنّه يرفع حكم الشك أعني الاستصحاب. وضابط الحكومة : أن يكون أحد الدليلين بمدلوله اللفظي متعرّضا لحال الدليل الآخر ورافعا للحكم الثابت بالدليل الآخر عن بعض أفراد موضوعه ، فيكون مبيّنا لمقدار مدلوله ، مسوقا لبيان حاله ، متفرعا عليه.
وميزان ذلك : أن يكون بحيث لو فرض عدم ورود ذلك الدليل لكان هذا الدليل لغوا خاليا عن المورد (*) ، نظير الدليل الدالّ على أنّه لا حكم للشكّ في النافلة أو مع كثرة الشك أو مع حفظ الإمام أو المأموم أو بعد الفراغ من العمل ، فإنّه حاكم على الأدلّة المتكفّلة لأحكام الشكوك ، فلو فرض أنّه لم يرد من الشارع حكم الشكوك ـ لا عموما ولا خصوصا ـ لم يكن مورد للأدلّة النافية لحكم الشكّ في هذه الصور.
______________________________________________________
أمّا نفس الدليل الدالّ على حكم الشيء مع قطع النظر عن اطّلاع المجتهد عليه ، فموضوعه ذات الفعل مع قطع النظر عن كونه معلوم الحكم أو مجهوله ، ومحموله الحكم الشأني الغير المنجّز على المكلّف. ولا منافاة بين الحكم الشأني لذات الفعل من حيث هو ، وثبوت ضدّه الفعلي من حيث صفة جهالة حكمه. فلك أن تعتبر الجهل بالحكم في دليل الأصل صفة للمكلّف ، فتقول : لا منافاة بين كون المكلّف من حيث هو محكوما بالحكم الشأني ، ومحكوما بضدّه الفعلي من حيث كونه جاهلا بالحكم. لكنّ الأوّل أوفق بأدلّة الاصول» انتهى.
__________________
(*) فى بعض النسخ زيادة : بظاهره.