والفرق بينه وبين التخصيص : أنّ كون المخصّص بيانا للعام إنّما هو بحكم العقل الحاكم بعدم جواز إرادة العموم مع العمل بالخاص ، وهذا بيان بلفظه ومفسّر للمراد من العام ، فهو تخصيص في المعنى بعبارة التفسير.
ثمّ الخاص ، إن كان قطعيّا تعيّن طرح عموم العام ، وإن كان ظنيّا دار الأمر بين طرحه وطرح العموم ، ويصلح كل منهما لرفع اليد بمضمونه على تقدير مطابقته للواقع عن الآخر ، فلا بدّ من الترجيح بخلاف الحاكم ، فإنّه يكتفى به في صرف المحكوم عن ظاهره ، ولا يكتفى بالمحكوم في صرف الحاكم عن ظاهره ، بل يحتاج إلى قرينة اخرى ، كما يتّضح ذلك بملاحظة الأمثلة المذكورة.
فالثمرة بين التخصيص والحكومة تظهر في الظاهرين ، حيث لا يقدّم المحكوم ولو كان الحاكم أضعف منه ؛ لأنّ صرفه عن ظاهره لا يحسن بلا قرينة اخرى ، هي مدفوعة بالأصل. وأمّا الحكم بالتخصيص فيتوقّف على ترجيح ظهور الخاص ، وإلّا أمكن رفع اليد عن ظهوره وإخراجه عن الخصوص بقرينة صاحبه.
فلنرجع إلى ما نحن بصدده من (*) حكومة الأدلّة الظنيّة على الاصول ، فنقول : قد جعل الشارع مثلا للشيء المحتمل للحلّ والحرمة حكما شرعيّا أعني الحلّ ، ثمّ حكم بأنّ الأمارة الفلانيّة ـ كخبر العادل الدالّ على حرمة العصير ـ حجّة ، بمعنى أنّه لا يعبأ باحتمال مخالفة مؤدّاه للواقع ، فاحتمال حلّية العصير المخالف للأمارة بمنزلة العدم ، لا يترتّب عليه حكم شرعي كان يترتّب عليه لو لا هذه الأمارة ، وهو ما ذكرنا من الحكم بالحليّة الظاهرية ، فمؤدّى الأمارات بحكم الشارع كالمعلوم ، لا يترتّب عليه الأحكام الشرعية المجعولة للمجهولات.
ثمّ إنّ ما ذكرنا من الورود والحكومة (٢٧٧٤) جار في الاصول اللفظية
______________________________________________________
٢٧٧٤. توضيح المقام أنّ اعتبار أصالة الحقيقة لا يخلو : إمّا أن يكون من باب التعبّد وأصالة عدم القرينة ، أو من باب الظهور النوعي أو الشخصي. ولا إشكال في عدم جريانها مع القرينة القطعيّة بخلافها ، لارتفاع موضوعها بها حقيقة. وأمّا مع
__________________
(*) فى بعض النسخ زيادة : ترجيح.