أيضا ، فإنّ أصالة الحقيقة أو العموم معتبرة إذا لم يعلم هناك قرينة على المجاز. فإن كان المخصّص مثلا دليلا علميّا كان واردا على الأصل المذكور ، فالعمل بالنصّ القطعي في مقابل الظاهر كالعمل بالدليل العلميّ في مقابل الأصل العملي (*). وإن كان المخصّص ظنيّا معتبرا كان حاكما على الأصل ؛ لأنّ معنى حجّية الظنّ جعل احتمال مخالفة مؤدّاه للواقع بمنزلة العدم في عدم ترتّب ما كان يترتّب عليه من الأثر لو لا حجّية هذه الأمارة ، وهو وجوب العمل بالعموم ؛ فإنّ الواجب عرفا وشرعا العمل بالعموم عند احتمال وجود المخصّص وعدمه ، فعدم العبرة باحتمال عدم التخصيص إلغاء للعمل بالعموم. فثبت : أنّ النصّ وارد على أصالة الحقيقة (**) إذا كان قطعيّا من جميع الجهات ، وحاكم عليه إذا كان ظنيّا في الجملة ، كالخاص الظنّي السند مثلا. ويحتمل أن يكون الظنّي أيضا واردا ، بناء على كون العمل بالظاهر عرفا وشرعا معلّقا على عدم التعبّد بالتخصيص ، فحالها حال الاصول العقلية ، فتأمّل (٢٧٧٥).
هذا كلّه على تقدير كون أصالة الظهور من حيث أصالة عدم القرينة. وأمّا إذا كان من جهة الظنّ النوعي الحاصل بإرادة الحقيقة الحاصل من الغلبة أو من غيرها فالظاهر أنّ النص وارد عليها مطلقا وإن كان النصّ ظنيّا ، لأنّ الظاهر أنّ دليل حجّية الظنّ الحاصل بإرادة الحقيقة الذي هو مستند أصالة الظهور ، مقيد بصورة
______________________________________________________
ضمير «كان» في قوله : «إن كان ظنّيا في الجملة» راجع إلى النصّ ، وظنّية النصّ لا تتصوّر إلّا بحسب السند. وثانيا : أنّه تبقى صورة معارضة العامّ والخاصّ ظنّيّ الدلالة مسكوتا عنها في كلامه.
٢٧٧٥. لعلّ الأمر بالتأمّل إشارة إلى كون اعتبار أصالة الحقيقة من باب التعبّد المقيّد على خلاف التحقيق ، لأنّ الحقّ اعتبارها إمّا من باب التعبّد المطلق أو الظنّ النوعي كذلك. وقد مرّ تحقيقه في أوائل الكتاب عند بيان اعتبار الظواهر.
__________________
(*) فى بعض النسخ زيادة : فإطلاق المتعارضين عليها مسامحة.
(**) فى بعض النسخ زيادة : في الظاهر.