بل الإشكالات ـ من حيث ظهور صدرها في التحكيم لأجل فصل الخصومة وقطع المنازعة ، فلا يناسبها التعدّد ، ولا غفلة كلّ من الحكمين عن المعارض الواضح لمدرك حكمه ، ولا اجتهاد المترافعين وتحرّيهما في ترجيح مستند أحد الحكمين على الآخر ، ولا جواز الحكم من أحدهما بعد حكم الآخر مع بعد فرض وقوعهما دفعة ، مع أنّ الظاهر حينئذ تساقطهما والحاجة إلى حكم ثالث ـ ظاهرة بل صريحة في وجوب الترجيح بهذه المرجّحات بين الأخبار المتعارضة ، فإنّ تلك الإشكالات لا تدفع هذا الظهور بل الصراحة.
نعم يرد عليه بعض الإشكالات في ترتّب المرجّحات ؛ فإنّ ظاهر الرواية تقديم الترجيح من حيث صفات الراوي على الترجيح بالشهرة والشذوذ ، مع أنّ عمل العلماء قديما وحديثا على العكس على ما يدلّ عليه المرفوعة الآتية ، فإنّهم لا ينظرون عند تعارض المشهور والشاذّ إلى صفات الراوي أصلا.
اللهمّ إلّا أن يمنع ذلك (٢٨٥٣) ؛ فإنّ الراوي إذا فرض كونه أفقه وأصدق وأورع ، لم يبعد ترجيح روايته وإن انفرد بها على الرواية المشهورة بين الرواة ؛ لكشف اختياره إيّاها مع فقهه (*) وورعه عن اطّلاعه على قدح في الرواية المشهورة ، مثل صدورها تقيّة أو تأويل لم يطّلع عليه غيره ؛ لكمال فقاهته وتنبّهه لدقائق الامور وجهات الصدور. نعم ، مجرّد أصدقيّة الراوي وأورعيّته لا يوجب ذلك ، ما لم ينضمّ إليهما الأفقهيّة.
______________________________________________________
الحرمة فيهما أيضا في ذلك ، لكن على معنى حرمة التصرّف وإن كانا مملوكين ، فيكونان بحكم السحت في الإثم ولو باعتبار المقدّمة ، فتأمّل جيّدا ، والله العالم» انتهى.
وأقول : يمكن القول بالحرمة فيما كان الأخذ بعنوان الإطاعة والانقياد لهم كما هو المنساق من الأخبار ، دون ما لو كان بعنوان إنفاذ الحقّ ، كما يجوز له الاستعانة بالظالم في أخذ حقّه ، أو كان بقصد التقاصّ ، والله العالم.
٢٨٥٣. أي : إطلاق القول بكون عمل العلماء على تقديم الخبر المشهور.
__________________
(*) فى بعض النسخ : بدل «فقهه» ، فهمه.