هذا ، ولكنّ الرواية مطلقة ، فتشمل الخبر المشهور روايته بين الأصحاب حتّى بين من هو أفقه من هذا المتفرّد برواية الشاذّ ، وإن كان هو أفقه من صاحبه المرضيّ بحكومته. مع أنّ أفقهية الحاكم بإحدى الروايتين لا تستلزم أفقهية جميع رواتها ، فقد يكون من عداه مفضولا بالنسبة إلى رواة الاخرى ، إلّا أن ينزّل الرواية على غير هاتين الصورتين.
وبالجملة : فهذا الإشكال أيضا لا يقدح في ظهور الرواية بل صراحتها في وجوب الترجيح بصفات الراوي وبالشهرة من حيث الرواية وبموافقة الكتاب والسنّة ، ومخالفة العامة. نعم ، المذكور في الرواية الترجيح باجتماع صفات الراوي من العدالة والفقاهة والصداقة والورع. لكنّ الظاهر إرادة بيان جواز الترجيح بكلّ منها ؛ ولذا لم يسأل الراوي عن صورة وجود بعض الصفات دون بعض ، أو تعارض الصفات بعضها مع بعض ، بل ذكر في السؤال أنّهما معا عدلان مرضيّان لا يفضل أحدهما على صاحبه ، فقد فهم أنّ الترجيح بمطلق التفاضل. وكذا يوجّه الجمع بين موافقة الكتاب والسنّة ومخالفة العامة ، مع كفاية واحدة منها إجماعا.
الثاني : ما رواه ابن أبي جمهور الأحسائي في عوالي اللآلي عن العلّامة مرفوعا إلى زرارة : " قال : سألت أبا جعفر عليهالسلام ، فقلت : جعلت فداك ، يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيّهما آخذ؟ فقال : يا زرارة ، خذ بما اشتهر بين أصحابك ودع الشاذّ النادر. فقلت : يا سيّدي ، إنّهما معا مشهوران مأثوران عنكم. فقال : خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك. فقلت : إنّهما معا عدلان مرضيّان موثّقان. فقال : انظر ما وافق منهما العامّة ، فاتركه وخذ بما خالف ؛ فإنّ الحقّ فيما خالفهم. قلت : ربّما كانا موافقين لهم أو مخالفين ، فكيف أصنع؟ قال : إذن فخذ بما فيه الحائطة لدينك واترك الآخر. قلت : فإنّهما معا موافقان للاحتياط (٢٨٥٤) أو مخالفان له ، فكيف أصنع؟ فقال : إذن فتخيّر أحدهما ، فتأخذ به وتدع الآخر" (٤).
______________________________________________________
٢٨٥٤. لعلّ المراد بموافقتهما له هو الموافقة في الجملة ولو من جهة ، وإلّا