لتنصرف على وجوه ، فلو شاء إنسان لصرف كلامه كيف شاء ولا يكذب" (١٦). وفي هاتين الروايتين الأخيرتين دلالة على وجوب الترجيح بحسب قوّة الدلالة. هذا ما وقفنا عليه من الأخبار الدالّة على التراجيح.
إذا عرفت ما تلوناه عليك (*) ، فلا يخفى عليك أنّ ظواهرها متعارضة ، فلا بدّ من (**) علاج ذلك. والكلام في ذلك يقع في مواضع : الأوّل : في علاج تعارض مقبولة ابن حنظلة ومرفوعة زرارة ؛ حيث إنّ الاولى صريحة في تقديم الترجيح بصفات الراوي على الترجيح بالشهرة ، والثانية بالعكس. وهي وإن كانت ضعيفة (٢٨٦٢) السند إلّا أنّها موافقة لسيرة العلماء في باب الترجيح ؛ فإنّ طريقتهم مستمرّة على تقديم المشهور على الشاذّ. والمقبولة وإن كانت مشهورة بين العلماء حتى سميّت مقبولة ، إلّا أنّ عملهم على طبق المرفوعة وإن كانت شاذّة من حيث الرواية ؛ حيث لم يوجد مرويّة في شيء من جوامع الأخبار المعروفة ، ولم يحكها إلّا ابن أبي جمهور عن العلّامة مرفوعة إلى زرارة. إلّا أن يقال : إنّ المرفوعة تدلّ على تقديم المشهور رواية على
______________________________________________________
الناس إذا عرفتم معاني كلامنا ، يعني : أنّه إذا ورد عليكم خبران متنافيان في بادي النظر ، فلا ينبغي أن تبادروا إلى طرح أحدهما ، بل لا بدّ أن يتأمّل في دلالتهما وما اكتنفها من القرائن العرفيّة أو الخارجة ، فربما يظهر أنّ تنافيهما إنّما كان في بادي النظر ويرتفع بعد التأمّل ، كالنصّ والظاهر أو الأظهر والظاهر. وفيه حثّ على الجمع بين الخبرين مهما أمكن بحسب العرف والقرائن الخارجة.
٢٨٦٢. حاصله : أنّ لكلّ من المرفوعة والمقبولة جهة قوّة وضعف. أمّا الاولى فإنّها وإن ضعفت لرفعها ، وطعن من ليس من شأنه الطعن في الأخبار ـ كصاحب الحدائق ـ في ابن أبي جمهور وكتابه الغوالى ، كما نبّه عليه المصنّف رحمهالله في
__________________
(*) فى بعض النسخ زيادة : من الأخبار.
(**) فى بعض النسخ زيادة : التكلّم في.