والحقّ : أنّ تدقيق النظر في أخبار الترجيح يقتضي التزام الأوّل ، كما أنّ التأمّل الصادق في أخبار التخيير يقتضي التزام الثاني ؛ ولذا ذهب جمهور المجتهدين (٢٨٧١)
______________________________________________________
٢٨٧١. وهو المختار. ويمكن أن يستدلّ عليه بوجوه :
أحدها : أنّ ظاهر من اقتصر على المرجّحات المنصوصة كالأخباريّين هو اعتبارها من باب التعبّد المحض ، لا من باب إفادتها لأقربيّة ذيها إلى الواقع من الآخر كما ستعرفه ، وهو خلاف ظاهر أخبار الترجيح كما أوضحه المصنّف رحمهالله ، فالاقتصار على المرجّحات المنصوصة لأخبار الترجيح مخالف لظاهرها ، فالقول به مستلزم لعدمه ، وما يستلزم وجوده عدمه فهو محال.
الثاني : دليل الانسداد ، وهو يقرّر بوجهين :
أحدهما : أنّ أخبار الترجيح قد اشتملت على الترجيح بأعدليّة راوي أحد الخبرين بعد اشتراك راويهما في صفة العدالة ، ولا شكّ أنّ المراد بالعدالة هي العدالة الواقعيّة الثابتة بالعلم الوجداني أو الشرعيّ كالبيّنة ، وإثباتها في أمثال زماننا غير ممكن ، لانحصار طريق إثباتها في أمثال زماننا في الرجوع إلى كتب الرجال كالنجاشي والكشّي وأمثالهما ، والظاهر أنّ تعديلهم للرواة إنّما هو بالظنون والاجتهاد لا بالعلم الوجداني ، لعدم إدراكهم لأغلبهم يقينا ، وفقدان الأمارات المفيدة لذلك ، ولا بالعلم الشرعيّ كالحاصل بالبيّنة ، لكون تعديل من سبقهم أيضا مستندا إلى الظنون والاجتهاد ، وهذا أمر لا خفاء فيه. مع أنّ شهادة مثل الشيخ تصير شهادة فرع بالنسبة إلينا ، ولا اعتبار بها شرعا. سلّمنا ولكن تعديلهم إنّما هو بلفظ التوثيق ، وهو غير مفيد للتعديل. اللهمّ إلّا أن يدّعى كون ذلك تعديلا في اصطلاحهم ، كما ادّعاه المحقّق الشيخ محمّد في كلام النجاشي. وهو أيضا لا يخلو من تأمّل وإشكال ، مع أنّه لا يثبت الكلّية المدّعاة. مضافا إلى أنّ الترجيح إنّما هو بالأعدليّة لا بمجرّد العدالة ، وطريق معرفة أعدليّة أحد الراويين إنّما هو بذكر فضائل في حقّه دون آخر ، وأنت خبير بأنّ ذكر فضيلة في رجل دون آخر لا يدلّ