وقد يستدلّ على ذلك (٢٩١٠) بقولهم عليهمالسلام : " حلال محمّد صلىاللهعليهوآله حلال إلى يوم القيامة ، وحرامه حرام إلى يوم القيامة" (٢٣). وفيه : أنّ الظاهر سوقه لبيان استمرار أحكام محمّد صلىاللهعليهوآله نوعا من قبل الله جلّ ذكره إلى يوم القيامة في مقابل نسخها بدين آخر ، لا بيان استمرار أحكامه الشخصيّة إلّا ما خرج بالدليل ، فالمراد أنّ حلاله صلىاللهعليهوآله حلال من قبل الله جلّ ذكره إلى يوم القيامة ، لا أنّ الحلال من قبله صلىاللهعليهوآله حلال من قبله إلى يوم القيامة ، ليكون المراد استمرار حليّته.
______________________________________________________
وثالثها : وهو الحقّ أن يقال إنّ نوع العمومات إذا قيست إلى سائر أنواع الخطابات بخصوصها ، مثل الخطاب المشتمل على الأمر أو النهي أو نحو ذلك ، فالتخصيص بحسب نوعه أغلب من سائر المجازات الحاصلة في سائر أنواع الخطابات ، لأنّ استعمال هذه الخطابات في معانيها الحقيقة غير عزيز ، بل كثير في المحاورات العرفيّة ، بخلاف الخطابات المشتملة على ألفاظ العموم ، لغلبة ورود التخصيص عليها. نعم ، ربّما يمنع غلبة التخصيص بالنسبة إلى حمل صيغة الأمر على الاستحباب ، كيف لا وقد قيل بكونها مجازا مشهورا فيه ، ولم يقل ذلك أحد في العامّ. ولعلّ الأمر بالتأمّل إشارة إلى معارضة ذلك بما اشتهر من أنّه ما من عامّ إلّا وقد خصّ.
٢٩١٠. تقريب الاستدلال : أنّ الحلال والحرام في الحديث الشريف إمّا كناية عن مطلق الأحكام الشرعيّة ، وإمّا أنّه قد خصّها بالذكر لأهمّيتهما من بين سائر الأحكام ، وعلى كلّ تقدير فالمراد استمرار مطلق أحكام محمّد صلىاللهعليهوآله.
فهذا الحديث الشريف يعطي قاعدة كلّية ، وهي استمرار كلّ حكم من الأحكام الشرعيّة إلى الأبد ، فيجعل هذه القاعدة مرجعا عند الشكّ في تحقّق النسخ ، لوضوح أنّه لا بدّ في تخصيصها من الاقتصار على ما علم نسخه شرعا.
فنقول فيما نحن فيه : إذا دار الأمر بين نسخ دليل وارتكاب خلاف الظاهر في دليل آخر ، فعموم الحديث الشريف حاكم على صرف التأويل إلى الدليل الآخر ، مع أنّ الأمر هنا دائر بين ارتكاب خلاف ظاهرين وارتكاب خلاف ظاهر