فتعيّن الوجه الثاني ؛ لكثرة ما يدلّ عليه من الأخبار ، أو الوجه الرابع ؛ للخبر المذكور وذهاب المشهور ، إلّا أنّه يشكل الوجه الثاني بأنّ التعليل المذكور في الأخبار بظاهره غير مستقيم ؛ لأنّ خلافهم ليس حكما واحدا (٢٩٥٩) حتّى يكون هو الحقّ ، وكون الحقّ والرشد فيه بمعنى وجوده في محتملاته لا ينفع في الكشف عن الحقّ. نعم ، ينفع في الأبعديّة عن الباطل لو علم أو احتمل غلبة الباطل على أحكامهم وكون الحقّ فيها نادرا ، ولكنّه خلاف الوجدان.
ورواية أبي بصير المتقدّمة وإن تأكّد مضمونها
______________________________________________________
مع قطع النظر عن جهة كشفه عنه ، لاختلاف المرجّح مع صاحبه حينئذ في المرتبة.
٢٩٥٩. حاصله : أنّ التعليل المذكور إنّما يتمّ لو كان الاحتمال في المسألة منحصرا في اثنين ، أحدهما موافق للعامّة والآخر مخالف لهم ، إذ يصحّ حينئذ أن يقال : إنّ الرشد فيما خالفهم. وأمّا لو كانت المسألة ذات احتمالات أحدها موافق للعامّة فلا يستقيم التعليل حينئذ ، لأنّ الحقّ حينئذ في أحد الوجوه المخالفة لهم ، وهذا لا يكفي في الكشف عن حقّية أحد الوجوه تعيينا. نعم ، المخالفة إنّما تنفع في أبعديّة الوجوه المخالفة لهم عن الباطل ، إن علمت أو احتملت غلبة الباطل على أحكامهم.
فإن قلت : إنّ التعليل الوارد في الأخبار إنّما هو كون الرشد في خلافهم ، وكلمة «في» للظرفيّة ، لا كون الرشد هو نفس ما يخالفهم. والإشكال إنّما يرد على الثاني دون الأوّل ، لأنّ غاية ما يفيده التعليل على الأوّل أنّ الرشد متحقّق في خلافهم ، ولازمه مع انحصار الاحتمال المخالف لهم في واحد كون الرشد هو ذلك الاحتمال ، وفي صورة تعدّده كونه في جملة تلك الاحتمالات المخالفة لهم ، بمعنى عدم كونه هو الاحتمال الموافق لهم ، فيكون الترجيح حينئذ بمجرّد أبعديّة المخالف عن الباطل وإن لم يتعيّن الحقّ فيه.
قلت : إنّ السائل كأنّه غفل عن ظاهر الأخبار الواردة في المضمار ، لأنّ ظاهرها الأمر بالأخذ بالمخالف للعمل لأجل كون المخالفة أمارة الرّشد ، لا لأجل مجرّد الأبعديّة عن الباطل ، سيّما رواية علي بن أسباط ، لأنّ قوله عليهالسلام : «فخذ بخلافه ،