.................................................................................................
______________________________________________________
لا يستلزم الحمل على التقيّة بالمعنى المذكور في مقام الترجيح أيضا ، بأن يحمل أحد الخبرين المتعارضين المخالفين للعامّة على التقيّة ، حتّى يرد عليه الإشكال. بل الظاهر أنّ المحدّث المذكور في مقام الترجيح ـ مع مخالفة الخبرين للعامّة ـ يستعمل سائر المرجّحات. والأخبار الدالّة على كون مخالف العامّة رشدا وصوابا ، مع فرض ورودها في مقام تعارض الأخبار وترجيحها ، لا تنفي صدور الخبر عن الإمام عليهالسلام لبيان خلاف الواقع ، لمصلحة يراها مع مخالفته للعامّة.
وأمّا الثاني فإنّ اتّهام العامّة للشيعة وإيذائهم لهم بسبب ذلك لا ينفي وجود مصلحة أحيانا تقتضي بيان خلاف الواقع مع مخالفته للعامّة.
وأمّا الثالث فإنّ الداعي هو وجود المصلحة بالفرض كما تقدّم.
وأمّا الرابع فوجه ضعفه يظهر من وجه ضعف الأوّل.
فالتحقيق أنّه لا وجه لإنكار إمكان وجود مصلحة تقتضي بيان خلاف الواقع مع عدم الموافقة لمذهب أحد من العامّة ، على نحو ما ذكره المحدّث المذكور ، إلّا أنّ الكلام في تحقّق مثل هذه المصلحة ، سيّما في تصحيح جلّ الأخبار المتعارضة. وما استشهده لذلك من الأخبار المتقدّمة خالية من الدلالة عليه ، إذ اختلاف أجوبة الإمام عليهالسلام في مجلس واحد كما تضمّنته رواية زرارة ـ لا يقضي بذلك ، لانتشار مذاهب العامّة في ذلك الزمان ، ولعلّ أجوبة الإمام عليهالسلام مع اختلافها كانت موافقة لمذاهبهم المختلفة المنتشرة ، واحتمال ذلك كاف في عدم ثبوت ما رامه المحدّث المذكور من تلك الأخبار.
وبالجملة ، إنّ القدر الثابت من وجود المصلحة المقتضية لبيان خلاف الواقع ليس إلّا مصلحة التقيّة المقتضية لصدور الخبر عن الإمام عليهالسلام على وفق مذهبهم دفعا للخوف والضرر ، وأمّا وجود مصلحة اخرى سواها وإن كان ممكنا ، إلّا أنّه لم يدلّ دليل على وقوعها على ما عرفت. وإلى هذا أشار المصنّف رحمهالله في صدر هذه المسألة بقوله : «إلّا أنّ الذي بأيدينا أمارة التقيّة ...» إلى آخر ما ذكره.