وهذا الكلام ضعيف ، لأنّ الغالب اندفاع الخوف بإظهار الموافقة مع الأعداء ، وأمّا الاندفاع بمجرّد رؤية الشيعة مختلفين مع اتّفاقهم على مخالفتهم ، فهو وإن أمكن حصوله أحيانا لكنّه نادر جدّا ، فلا يصار إليه في جلّ الأخبار المتخالفة ، مضافا إلى مخالفته لظاهر قوله عليهالسلام في الرواية المتقدّمة : " ما سمعت منّي يشبه قول الناس ففيه التقيّة ، وما سمعت منّي لا يشبه قول الناس فلا تقيّة فيه".
فالذي يقتضيه النظر ـ على تقدير القطع بصدور جميع الأخبار التي بأيدينا على ما توهّمه بعض الأخباريّين ، أو الظنّ بصدور جميعها إلّا قليلا في غاية القلّة ، كما يقتضيه الإنصاف ممّن اطّلع على كيفية تنقيح الأخبار وضبطها في الكتب ـ هو أن يقال : إنّ عمدة الاختلاف إنّما هي كثرة إرادة خلاف الظواهر في الأخبار إمّا بقرائن متّصلة اختفت علينا من جهة تقطيع الأخبار أو نقلها بالمعنى ، أو منفصلة مختفية من جهة كونها حاليّة (*) معلومة للمخاطبين أو مقاليّة اختفت بالانطماس ، وإمّا بغير القرينة لمصلحة يراها الإمام عليهالسلام من تقيّة ـ على ما اخترناه من أنّ التقيّة على وجه التورية ـ أو غير التقيّة من المصالح الأخر. وإلى ما ذكرنا ينظر ما فعله الشيخ قدسسره في الاستبصار من إظهار إمكان الجمع بين متعارضات الأخبار ، بإخراج أحد المتعارضين أو كليهما عن ظاهره إلى معنى بعيد.
وربّما يظهر من الأخبار محامل وتأويلات أبعد بمراتب ممّا ذكره الشيخ ، تشهد بأنّ ما ذكره الشيخ من المحامل غير بعيد عن مراد الإمام عليهالسلام ، وإن بعدت عن ظاهر الكلام إن لم (**) يظهر فيه قرينة عليها :
فمنها : ما روي عن بعضهم صلوات الله عليهم ، لمّا سأله بعض أهل العراق وقال : " كم آية تقرأ في صلاة الزوال؟ فقال عليهالسلام : ثمانون. ولم يعد السائل ، فقال عليهالسلام : هذا يظن أنّه من أهل الإدراك. فقيل له عليهالسلام : ما أردت بذلك وما هذه الآيات؟ فقال : أردت منها ما يقرأ في نافلة الزوال ، فإنّ الحمد والتوحيد لا يزيد على
__________________
(*) في بعض النسخ بدل : «حاليّة» : خارجيّة.
(**) فى بعض النسخ : بدل «إن لم» : إلّا أن.