وربّما يستفاد من قول السائل في المقبولة : " قلت : يا سيّدي ، هما معا موافقان للعامّة" : أنّ المراد ب" ما وافق العامّة" أو" خالفهم" في المرجّح السابق يعم ما وافق البعض أو خالفه. ويرده : أنّ ظهور الفقرة الاولى في اعتبار الكلّ أقوى من ظهور هذه الفقرة في كفاية موافقة البعض ، فيحمل على إرادة صورة عدم وجود هذا المرجّح في شيء منهما وتساويهما من هذه الجهة ، لا صورة وجود هذا المرجّح في كليهما وتكافئهما من هذه الجهة. وكيف كان ، فلو كان كلّ واحد موافقا لبعضهم مخالفا لآخرين منهم ، وجب الرجوع إلى ما يرجّح في النظر ملاحظة التقيّة منه.
وربّما يستفاد ذلك من أشهريّة فتوى أحد البعضين في زمان الصدور ، ويعلم ذلك بمراجعة أهل النقل والتأريخ ، فقد حكي عن تواريخهم : أنّ عامّة أهل الكوفة كان عملهم على فتاوى أبي حنيفة وسفيان الثوري ورجل آخر ، وأهل مكّة على فتاوى ابن جريح ، وأهل المدينة على فتاوى مالك (٢٩٧١) ورجل آخر ، وأهل البصرة على فتاوى عثمان وسوادة ، وأهل الشام على فتاوى الأوزاعيّ والوليد ، وأهل مصر على فتاوى الليث بن سعد ، وأهل خراسان على فتاوى عبد الله بن المبارك الزهريّ ، وكان فيهم أهل الفتوى من غير هؤلاء كسعيد بن المسيّب وعكرمة وربيعة الرأي ومحمّد بن شهاب الزهريّ ، إلى أن استقرّ رأيهم بحصر المذاهب في الأربعة سنة خمس وستين وثلاثمائة ، كما حكي. وقد يستفاد ذلك من الأمارات الخاصّة ، مثل :
______________________________________________________
ثمّ إنّ هذا كلّه إنّما يتأتّى على القول بالمرجّحات المنصوصة بالخصوص. وأمّا على ما هو التحقيق من اعتبار مطلق الظنّ في باب الترجيح ، والاعتماد على كلّ مزيّة في أحد الخبرين مفقودة في الآخر ، فيجوز الترجيح بمطلق الموافقة والمخالفة ، بأن تساوى الخبران من جميع الوجوه ، إلّا احتمال التقيّة في أحدهما دون الآخر ، على أيّ وجه فرض حصول التقيّة في الموافق منهما.
٢٩٧١. في شرحي الوافية للسيّد الصدر والفاضل الكاظمي : زيادة «ورجل آخر» بعد مالك. وكذا لفظ عثمان بدل عمّان. وزيادة «وسعيد الربيع» من فقهائهم بعد ذكر سوادة. وزيادة مرو بعد خراسان. وزيادة وسفيان بن عيينة