أمّا لو زاحم الترجيح بالصدور الترجيح من حيث جهة الصدور بأن كان الأرجح صدورا موافقا للعامّة ، فالظاهر تقديمه على غيره وإن كان مخالفا للعامّة ، بناء على تعليل الترجيح (٢٩٧٣) بمخالفة العامّة باحتمال التقيّة في الموافق ؛ لأنّ هذا الترجيح ملحوظ في الخبرين بعد فرض صدورهما قطعا كما في المتواترين ، أو تعبّدا كما في الخبرين ، بعد عدم إمكان التعبّد بصدور أحدهما وترك التعبّد بصدور الآخر ، وفيما نحن فيه يمكن ذلك بمقتضى أدلّة الترجيح من حيث الصدور.
فإن قلت : إنّ الأصل في الخبرين الصدور ، فإذا تعبّدنا بصدورهما اقتضى ذلك الحكم بصدور الموافق تقيّة ، كما يقتضى ذلك الحكم بإرادة خلاف الظاهر في أضعفهما دلالة ، فيكون هذا المرجّح نظير الترجيح بحسب الدلالة مقدّما على الترجيح بحسب الصدور. قلت : لا معنى للتعبّد بصدورهما مع وجوب حمل أحدهما المعيّن على التقيّة ، لأنّه إلغاء لأحدهما في الحقيقة ؛ ولذا لو تعيّن حمل خبر غير معارض على التقيّة على تقدير الصدور لم تشمله أدلّة التعبّد بخبر العادل.
______________________________________________________
وبعبارة أوضح : أنّ الحمل على التقيّة ملحوظ في الخبرين بعد فرض صدورهما قطعا كما في المتواترين ، أو شرعا كما في الخبرين ، مع فرض عدم إمكان التعبّد بأحدهما معيّنا وطرح الآخر كذلك ، بأن دار الأمر بينهما في الأخذ والطرح ، لأجل تنافي مدلولهما وعدم إمكان الجمع بينهما. أمّا الأوّل فلما عرفت من كون جهة الصدور متفرّعة على نفس الصدور. وأمّا الثاني فإنّه مع إمكان التعبّد بأحدهما معيّنا وطرح الآخر كذلك ، لو حمل أحدهما على التقيّة لزم ملاحظة جهة الصدور قبل نفس الصدور ، وقد عرفت فسادها ، فمع إمكان التعبّد بأحدهما تعيّن الأخذ به وطرح الآخر.
٢٩٧٣. يعني : بناء على الوجه الرابع من الوجوه الأربعة المتقدّمة. وأمّا بناء على الوجه الثاني منها فسيشير هنا إلى أنّ الترجيح بمخالفة العامّة حينئذ من قبيل الترجيح من حيث المضمون ، وسيجيء بيان حاله مع غيره.