نعم ، لو علم بصدور الخبرين لم يكن بدّ من حمل الموافق على التقيّة وإلغائه ، وأمّا إذا لم يعلم بصدورهما ـ كما فيما نحن فيه من المتعارضين ، فيجب الرجوع إلى المرجّحات الصدوريّة ، فإن أمكن ترجيح أحدهما وتعيينه من حيث التعبّد بالصدور دون الآخر تعيّن ، وإن قصرت اليد عن هذا الترجيح كان عدم احتمال التقيّة في أحدهما مرجّحا (٢٩٧٤). فمورد هذا المرجّح تساوي الخبرين من حيث الصدور ، إمّا علما كما في المتواترين أو تعبّدا كما في المتكافئين من الآحاد. وأمّا ما وجب فيه التعبّد بصدور أحدهما المعيّن دون الآخر ، فلا وجه لإعمال هذا المرجّح فيه ؛ لأنّ جهة الصدور متفرّع على أصل الصدور.
والفرق بين هذا الترجيح والترجيح في الدلالة المتقدّم على الترجيح بالسند ، أنّ التعبّد بصدور الخبرين على أن يعمل بظاهر أحدهما وبتأويل الآخر بقرينة ذلك الظاهر ممكن غير موجب لطرح دليل أو أصل ، بخلاف التعبّد بصدورهما ثمّ حمل أحدهما على التقيّة الذي هو في معنى إلغائه وترك التعبّد به.
هذا كلّه على تقدير توجيه الترجيح بالمخالفة باحتمال التقيّة. أمّا لو قلنا بأنّ الوجه في ذلك كون المخالف أقرب إلى الحقّ وأبعد من الباطل ـ كما يدلّ عليه جملة من الأخبار ـ فهي من المرجّحات المضمونيّة ، وسيجيء حالها مع غيرها.
أمّا المرجّحات الخارجية (٢٩٧٥) فقد أشرنا إلى أنّها على قسمين : الأوّل : ما يكون غير معتبر بنفسه. والثاني : ما يعتبر بنفسه ، بحيث لو لم يكن هناك دليل كان هو المرجع.
______________________________________________________
٢٩٧٤. يعني : كان مرجّحا لأصل التعبّد بأحدهما لا للأخذ بأحدهما بعد التعبّد بصدورهما ، لأنّ مرجع الحمل على التقيّة إلى رفع اليد عن الموافق للعامّة رأسا.
٢٩٧٥. لا يذهب عليك أنّ المصنّف رحمهالله قد قسّم المرجّحات في عنوان المقام الرابع إلى خارجيّ وداخلي. وقسّم الداخليّ إلى أقسام ثلاثة ، أعني : الترجيح من حيث الصدور ، ووجه الصدور ، والمضمون. ثمّ ذكر الترجيح بحسب الدلالة في