دفّاع (١) معضلات ، دليل فلوات ، يقول فيُفهم ، ويسكت فيسلم ، قد أخلص لله فاستخلصه ، فهو من معادن دينه ، وأوتاد أرضه ، قد ألزم نفسه العدل ، فكان أوّل عدله نفي الهوى عن نفسه ، يصف الحقّ ويعمل به ، لا يدع للخير غايةً إلّا أمّها (٢) ولا مظنّةً إلّا قصدها ، قد أمكن الكتاب من زمامه ، فهو قائده وإمامه ، يحلّ حيث حلّ ثقله ، وينزل حيث كان منزله .
وآخر قد تسمّى عالماً وليس به ، فاقتبس جهائل من جهّال ، وأضاليل من ضُلّال ، ونصب للناس أشراكاً من حبال غرور وقول زور ، قد حمل الكتاب على آرائه ، وعطف الحقّ على أهوائه ، يؤمن من العظائم ، ويهوّن كبير الجرائم ، يقول : أقف عند الشبهات وفيها وقع ، ويقول : أعتزل البدع وبينها اضطجع ، فالصورة صورة إنسان ، والقلب قلب حيوان ، لا يعرف باب الهدى فيتّبعه ، ولا باب العمى فيصدّ عنه ، فذلك ميّت الأحياء ، فأين تذهبون ؟ وأنّى تؤفكون ؟ والأعلام قائمةٌ ، والآيات واضحةٌ ، والمنار منصوبةٌ . إلى آخر الخطبة .
بيان : فاستشعر الحزن أي جعله شعاراً له . وتجلبب الخوف أي جعله جلباباً ، وهو ثوب يشمل البدن . فزهر أي أضاء . والقرى : الضيافة . فقرّب على نفسه البعيد أي مثّل الموت بين عينيه . وهوّن الشديد أي الموت ورضي به واستعدّ له ، أو المراد بالبعيد أمله الطويل ، وبتقريبه تقصيره له بذكر الموت . وهوّن الشديد أي كلّف نفسه الرياضة على المشاقّ من الطاعات ، وقيل : اُريد بالبعيد رحمة الله أي جعل نفسه مستعدّةً لقبولها بالقربات وبالشديد عذاب الله فهوّنه بالأعمال الصالحة ، أو شدائد الدنيا باستحقارها في جنب ما اُعدّ له من الثواب . نظر أي بعينه فاعتبر ، أو بقلبه فأبصر الحقّ من عذب فرات أي العلوم الحقّة ، والكلمات الحقيقيّة ، وقيل : من حبّ الله . فشرب نهلاً أي شرباً أوّلاً سابقاً على أمثاله . سبيلاً جدداً أي لا غبار فيه ولاوعث . والسربال : القميص . والردى : الهلاك وقطع غماره أي ما كان مغموراً فيه من شدائد الدنيا . من إصدار كلّ وارد عليه أي هداية الناس . وأنّى تؤفكون أي تصرفون .
________________________
(١) بفتح الدال وتشديد الفاء : كثير الدفع .
(٢) أي قصدها .