وربما يقال : إن المراد برفعه إليه رفعه بروحه وجسده حياً الى السماء على ما يشعر به ظاهر القرآن الشريف أن السماء أي الجسمانية هي مقام القرب من الله سبحانه ، ومحل نزول البركات ، ومسكن الملائكة المكرمين ، ولعلنا نوفق للبحث عن معنى السماء فيما سيأتي إنشاء الله تعالى .
والتطهير من الكافرين حيث أُتبع به الرفع الى الله سبحانه أفاد معنى التطهير المعنوي دون الظاهري الصوري ، فهو إبعاده من الكفار وصونه عن مخالطتهم والوقوع في مجتمعهم المتقذر بقذارة الكفر والجحود .
قوله تعالى : وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا الی يوم القيامة ، وعد منه تعالى له عليهالسلام أنه سيفوّق متبعي عيسى عليهالسلام على مخالفيه الكافرين بنبوته ، وأن تفوقهم هذا سيدوم إلى يوم القيامة ، وإنما ذكر تعالى في تعريف هؤلاء الفائقين على غيرهم أن الفائقين هم الذين اتبعوه وأن غيرهم هم الذين كفروا من غير أن يقول هم بنو إسرائيل أو اليهود المنتحلون بشريعة موسى عليهالسلام أو غير ذلك .
غير أنه تعالى لما أخذ الكفر في تعريف مخالفيه ظهر منه أن المراد باتباعه هو الاتباع على الحق أعني الاتباع المرضي لله سبحانه فيكون الذين اتبعوه هم أتباعه المستقيمون من النصارى قبل ظهور الاسلام ونسخه دين عيسى ، والمسلمون بعد ظهور الإسلام فإنهم هم أتباعه على الحق ، وعلى هذا فالمراد بالتفوق هو التفوق بحسب الحجة دون السلطنة والسيطرة ، فمحصل معنى الجملة : أن متبعيك من النصارى والمسلمين ستفوق حجتهم على حجة الكافرين بك من اليهود إلى يوم القيامة ، هذا ما ذكره وارتضاه المفسرون في معنى الآية .
والذي أراه أن الآية لا تساعد عليه لا بلفظها
ولا بمعناها فإن ظاهر قوله إني متوفيك ورافعك إليّ ومطهرك من الذين كفروا وجاعل الذين اتبعوك ، أنه إخبار عن المستقبل وأنه سيتحقق فيما يستقبل حال التكلم توف ورفع وتطهير وجعل على أن قوله : وجاعل الذين اتبعوك ، وعد حسن وبشرى ، وما هذا شأنه لا يكون إلا في ما سيأتي ، ومن المعلوم أن ليست حجة متبعي عيسى عليهالسلام
إلا حجة عيسى نفسه ، وهي التي ذكرها الله تعالى في ضمن آيات البشارة أعني بشارة مريم ، وهذه الحجج حجج فائقة حين حضور عيسى قبل الرفع ، وبعد رفع عيسى بل كانت قبل رفعه عليهالسلام أقطع لعذر