آمنوا ، وكذا قوله تعالى : أن يؤتي أحد مثل ما اوتيتم أو يحاجوكم به عند ربكم ، ويكون قوله : « قل إن الهدی هدی الله » جملة معترضة هو جواب الله سبحانه عن مجموع ما تقدم من كلامهم أعني قولهم : آمنوا بما انزل إلى قوله : دينكم ، على ما يفيده تغيير السياق ، وكذا قوله تعالى قل إن الفضل بيد الله جوابه تعالى عن قولهم : أن يؤتى أحد إلى آخره ، هذا هو الذي يقتضيه ارتباط أجزاء الكلام واتساق المعاني في الآيتين أولاً ، وما تناظر الآيتين من الآيات الحاكية لأقوال اليهود في الجدال والكيد ثانياً .
والمعنى ـ والله أعلم ـ أن طائفة من أهل الكتاب ـ وهم اليهود ـ قالت أي قال بعضهم لبعض : صدقوا النبي والمؤمنين في صلوتهم وجه النهار إلى بيت المقدس ولا تصدقوهم في صلوتهم إلى الكعبة آخر النهار ، ولا تثقوا في الحديث بغيركم فيخبروا المؤمنين أن من شواهد نبوة النبي الموعود تحويل القبلة إلى الكعبة فإن في تصديقكم أمر الكعبة وإفشائكم ما تعلمونه من كونها من امارات صدق الدعوة محذور أن يؤتى المؤمنون مثل ما اوتيتم من القبلة فيذهب به سوددكم ويبطل تقدمكم في أمر القبلة ، ومحذور أن يقيموا عليكم الحجة عند ربكم أنكم كنتم عالمين بأمر القبلة الجديدة شاهدين على حقيته ثم لم تؤمنوا .
فأجاب الله تعالى عن قولهم في الإيمان بما في وجه النهار والكفر في آخره وأمرهم بكتمان أمر القبلة لئلا يهتدي المؤمنون إلى الحق بأن الهدى الذي يحتاج اليه المؤمنون الذي هو حق الهدى إنما هو هدى لله دون هداكم ، فالمؤمنون في غنى عن ذلك فإن شئتم فاتبعوا وإن شئتم فاكفروا وإن شئتم فأفشوا وإن شئتم فاكتموا .
وأجاب تعالى عما ذكروه من مخافة أن يؤتى
أحد مثل ما اوتوا أو يحاجوهم عند ربهم بأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء لا بيدكم حتى تحبسوه لأنفسكم وتمنعوا منه غيركم ، وأما حديث الكتمان مخافة المحاجة فقد أعرض عن جوابه لظهور بطلانه كما فعل كذلك في قوله تعالى في هذا المعنى بعينه : « وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا
قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا
فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ
وَمَا يُعْلِنُونَ » البقرة ـ ٧٧ ، فقوله
: أو لا يعلمون ، إيذان بأن هذا القول بعد ما علموا أن الله لا يتفاوت فيه السر