الخلاق النصيب ، والتزكية هي الإنماء نمواً صالحاً ، ولما كان الوصف المأخوذ في بيان هذه الطائفة من الناس مقابلاً للوصف المأخوذ في الطائفة الاخرى المذكورة في قوله : من أوفى بعهده واتقى ، ثم كانت التبعات المذكورة لوصفهم اموراً سلبية أفاد ذلك :
أولا : أن الإتيان في الإشارة بلفظ اولئك الدال على البعد لإفادة بعد هؤلاء من ساحة القرب كما أن الموفون بعهدهم المتقون مقربون لمكان حب الله تعالى لهم .
وثانيا : أن آثار محبة الله سبحانه هي الخلاق في الآخرة ، والتكليم والنظر يوم القيامة ، والتزكية والمغفرة ، وهي رفع أليم العذاب .
والخصال التي ذكرها الله تعالى لهؤلاء الناقضين لعهد الله وأيمانهم امور ثلاثة :
أحدها : أنهم لا نصيب لهم في الآخرة ، والمراد بالآخرة هي الدار الآخرة ( من قيام الوصف مقام الموصوف ) ويعني بها الحياة التي بعد الموت كما أن المراد بالدنيا هي الدار الدنيا وهي الحياة الدنيا قبل الموت .
ونفي النصيب عنهم في الآخرة لاختيارهم نصيب الدنيا عليه ، ومن هنا يظهر أن المراد بالثمن القليل هو الدنيا ، وإنما فسرناه فيما تقدم بمتاع الدنيا لمكان توصيفه تعالى إياه بالقليل ، وقد وصف به متاع الدنيا في قوله ـ عز من قائل ـ : « قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ » النساء ـ ٧٧ ، على أن متاع الدنيا هو الدنيا .
وثانيها : أن الله لا يكلمهم ولا ينظر إليهم يوم القيامة ، وقد حوذي به المحبة ـ الإلهية للمتقين من حيث إن الحب يوجب تزود المحب من المحبوب بالاسترسال بالنظر والتكليم عند الحضور والوصال ، وإذ لا يحبهم الله فلا يكلمهم ولا ينظر إليهم يوم القيامة وهو يوم الإحضار والحضور ، والتدرج من التكليم الى النظر لوجود القوة والضعف بينهما فإن الاسترسال في التكليم أكثر منه في النظر فكأنه قيل : لا نشرفهم لا كثيراً ولا قليلاً .
وثالثها : أن الله لا يزكيهم ولهم عذاب أليم ، وإطلاق الكلام يفيد أن المراد بهما ما يعم التزكية والعذاب في الدنيا والآخرة .
قوله
تعالى : وإن منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب
لتحسبوه من الكتاب