وقولهم بألوهيته صريحاً مسندين ذلك إلى دعوته كان ذلك نسبة منهم إليه أنه قال : كونوا عباداً لي بخلاف اتخاذ الملائكة والنبيين أرباباً بالمعنى الذي قيل في غير عيسى فإنه يضاد الألوهية بلازمه لا بصريحه فلذلك قيل : أرباباً ، ولم يقل : آلهة .
وأما الثانية : فالوجه فيه أن التعبيرين كليهما ( كونوا عباداً لي ـ يأمركم أن تتخذوا ) أمر لو تعلق بأحد تعلق بهؤلاء الذين يخاطبون بهذه الآيات من أهل الكتاب والعرب لكن التعبير لما وقع في الآية الأولى بالقول ، والقول يقضي بالمشافهة ولم يكن الحاضرون في زمن نزول الآية حاضرين إذ ذاك لا جرم قيل : ثم يقول للناس ، ولم يقل : ثم يقول لكم ؛ وهذا بخلاف لفظ الأمر المستعمل في الآية الثانية فإنه لا يستلزم شفاهاً بل يتم مع الغيبة فإن الأمر المتعلق بالأسلاف متعلق بالأخلاف مع حفظ الوحدة القومية ، وأما القول فهو لإفادته بحسب الانصراف إسماع الصوت يقضي بالمشافهة والحضور إلا أن يعني به مجرد معنى التفهيم .
وعلى هذا فالأصل في سياق هذه الآيات الحضور وخطاب الجمع ؛ كما جرى عليه قوله تعالى : أو يأمركم إلى آخر الآية .
قوله تعالى : أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ، ظاهر الخطاب أنه متعلق بجميع المنتحلين بالنبوة من أهل الكتاب أو المدعين للانتساب إلى الانبياء كما كانت عرب الجاهلية تزعم أنهم حنفاء والكلام موضوع على الفرض والتقدير فالمعنى أنكم على تقدير إجابتكم هذا البشر الذي اوتي الكتاب والحكم والنبوة تكونون مسلمين لله متحلين بحلية الإسلام مصبوغين بصبغته فكيف يمكنه أن يأمركم بالكفر ويضلكم عن السبيل الذي هداكم إليه بإذن الله سبحانه .
ومن هنا يظهر أن المراد بالإسلام هو دين التوحيد الذي هو دين الله عند جميع الأنبياء على ما يدل عليه أيضاً احتفاف الآيات بهذا المعنى من الإسلام أعني قوله تعالى من قبل : « إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ » آل عمران ـ ١٩ ، وقوله تعالى من بعد : « أفغير دين الله يبغون » ـ إلى أن قال ـ : « وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ » آل عمران ـ ٨٥ .
وقد ذكر بعض المفسرين أن المراد بقوله تعالى
: ما كان لبشر أن يؤتيه الله إلى آخر