وقوله : بما كنتم ، حيث اشتمل على الماضي الدال على التحقق لا يخلو عن دلالة ما على أن الكلام في الآية مسوق للتعريض بالنصارى من أهل الكتاب في قولهم : إن عيسى أخبرهم بأنه ابنه وكلمته على الخلاف في تفسير البنوة ، وذلك أن بني إسرائيل هم الذين كان في أيديهم كتاب سماوي يعلمونه ويدرسونه وقد اختلفوا فيه اختلافاً يصاحب التغيير والتحريف ، وما بعث عيسى عليهالسلام إلا ليبين لهم بعض ما اختلفوا فيه ، وليحل بعض الذي حرم عليهم ، وبالجملة ليدعوهم إلى القيام بالواجب من وظائف التعليم والتدريس وهو أن يكونوا ربانيين في تعليمهم ودراستهم كتاب الله سبحانه .
والآية وإن لم تأب الانطباق على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم بوجه فقد كانت لدعوته أيضاً مساس بأهل الكتاب الذين كانوا يعلمون ويدرسون كتاب الله لكن عيسى عليهالسلام أسبق انطباقاً عليه ، وكانت رسالته خاصة ببني إسرائيل بخلاف رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم .
وأما سائر الأنبياء العظام من اولي العزم والكتاب : كنوح وإبراهيم وموسى فمضمون الآية لا ينطبق عليهم وهو ظاهر .
قوله تعالى : أو يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً عطف على قوله يقول : على القرائة المشهورة التي هي نصب يأمركم ، وهذا كما كان طائفة من أهل الكتاب كالصابئين يعبدون الملائكة ويسندون ذلك إلى الدعوة الدينية ، وكعرب الجاهلية حيث كانوا يقولون إن الملائكة بنات الله ، وهم يدعون أنهم على دين إبراهيم عليهالسلام ، هذا في إتخاذ الملائكة أرباباً .
وأما إتخاذ النبيين أرباباً فكقول اليهود : عزير ابن الله على ما حكاه القرآن ولم يجوز لهم موسى عليهالسلام ذلك ، ولا وقع في التوراة إلا توحيد الرب ولو جوز لهم ذلك لكان أمراً به حاشاه من ذلك .
وقد اختلفت الآيتان : أعني قوله : ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله وقوله : أو يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أرباباً من جهتين في سياقهما : الاولى : أن المأمور في الاولى ( ثم يقول للناس ) الناس ، وفي الثانية هم المخاطبون بالآية ، والثانية : أن المأمور به في الأولى العبودية له وفي الثانية الاتخاذ أرباباً .
أما الاولى فحيث كان الكلام مسوقاً للتعريض
بالنصارى في عبادتهم لعيسى ،