« إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا » البقرة ـ ٢٦ ، وفي ذيل قوله تعالى : « كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً » البقرة ـ ٢١٣ ، أن الأحكام والقوانين التي يقع فيها المخالفة والتمرد ثم الذنب والخطيئة إنما هي امور وضعية اعتبارية اريد بوضعها واعتبارها أن يحفظ مصالح المجتمع الإنساني بالعمل بها والرقوب لها ، وأن العقاب المترتب على المعصية والمخالفة إنما هو تبعة سوء اعتبروه ووضعوه ليكون ذلك صارفاً للإنسان المكلف عن اقتراف المعصية والتمرد عن الطاعة ، هذا ما عند العقلاء البانين للمجتمع الإنساني .
لكن التعليم القرآني يعطي في هذا المعنى ما هو أرقى من ذلك وأرق ويؤيده البحث العقلي على ما مر ؛ وهو أن الإنسان بانقياده للشرع المنصوب له من جانب الله وعدم انقياده له تتهيأ في نفسه حقائق من الصفات الباطنة الحميدة الفاضلة أو الرذيلة الخسيسة الخبيثة ، وهذه هي التي تهيیء للإنسان نعمة أُخروية أو نقمة أُخروية اللتين ممثلهما الجنة والنار وحقيقتهما القرب والبعد من الله فالحسنات او الخطايا تتكي وتنتهی إلى امور حقيقية لها نظام حقيقة غير اعتباري .
ومن البين أيضاً أن التشريع الالهي إنما هو تتمة للتكميل الالهي في الخلقة ، وانهاء الهداية التكوينية إلى غايتها وهدفها من الخلقة ، وبعبارة اخرى ، شأنه تعالى إيصال كل نوع إلى كمال وجوده وهدف ذاته ومن كمال وجود الانسان النظام النوعي الصالح في الدنيا ، والحيوة الناعمة السعيدة في الآخرة ، والطريق إلى ذلك الدين الذي يتكفل قوانين صالحة لاصلاح الاجتماع وجهات من التقرب باسم العبادات يعمل بها الانسان فينتظم بذلك معاشه ويتهيأ في نفسه ويصلح في ذاته وعمله للكرامة الالهية في الدار الآخرة ، كل ذلك من جهة النور المجعول في قلبه والطهارة الحاصلة في نفسه هذا حق الأمر .
فللإنسان قرب وبعد من الله سبحانه هما الملاكان في سعادته وشقاوته الدائمتين ولصلاح اجتماعه المدني في الدنيا ، والدين هو العامل الوحيد في إيجاد هذا القرب والبعد ، وجميع ذلك امور حقيقية غير مبتنية على اللغو والجزاف .
وإذا فرضنا أن اقتراف معصية واحدة كالأكل من الشجرة المنهية من آدم أوجب له الهلاك الدائم ولا له فحسب بل ولجميع ذريته ثم لم يكن هناك ما يعالج به الداء ويفرج به الهم إلا فداء المسيح فما فائدة تشريع الدين قبل المسيح ؟ وما فائدة تشريعه معه ؟ وما فائدة تشريعه بعده ؟ !