كلم الناس في أمره وسألهم واستوضحهم ، علت أصواتهم وتنادوا : « هو كافر » « هو ملحد » « هو خائن » فلم ينته الأمر إلى طائل .
حتى استقر رأي فيلاطوس أن يكلم عيسى بنفسه فأشخصه وكلمه وسأله عما يقصده بما يبلغه من الدين ، فأجابه عيسى أنه لا يهتم بأمر الحكومة والسياسة ولا له في ذلك غرض ، وأنه يهتم بالحياة الروحانية أكثر مما يهتم بأمر الحياة الجسمانية ، وأنه يعتقد أن الإنسان يجب أن يحسن إلى الناس ويعبد الله الفرد الواحد وحده الذي هو في حكم الأب لجميع أرباب الحياة من المخلوقات .
وكان فيلاطوس ذا خبرة في مذاهب الرواقيين وسائر فلاسفة يونان فكأنه لم ير في ما كلمه به عيسى موضع غمضة ، ولا محل مؤاخذة ، ولذلك عزم ثانياً أن يخلص هذا النبي السليم المتين من شر اليهود ، وسوف في حكم قتله وإنجازه .
لكن اليهود لم يرضوا بذلك ، ولم يتركوه على حاله بل أشاعوا عليه أنه فتن بأكاذيب عيسى وأقاويله وأن فيلاطوس يريد الخيانة على قيصر ، وأخذوا يستشهدون عليه ويسجلون الطوامير على ذلك يريدون به عزله من الحكومة ، وقد كان برز قبل ذلك فتن وانقلابات في فلسطين . والقوى المؤمنة القيصرية قليلة العدة لا تقوى على إسكات الناس فيها كل القوة .
وكان على الحكام وسائر المأمورين من ناحية قيصر أن لا يعاملوا الناس بما يجلب شكواهم وعدم رضايتهم .
فلهذه الأسباب لم ير فيلاطوس بداً من أن يفدي هذا الشاب المسجون للامن العام ، ويجيب الناس فيما سألوه من قتله .
وأما عيسى فإنه لم يجزع من الموت بل استقبله على شهامة من نفسه ، وقد عفى قبل موته عمن تسبب إلى قتله من اليهود ثم قضى به على الصليب والناس يسخرون منه ويشتمونه ويسبونه .
قال ( جلاديوس أنسا ) هذا ما قص لي يوسف من قصة عيسى ودموعه تجري على خديه ، وحين ودعني للمفارقة قدمت إليه شيئاً من المسكوك الذهبي لكنه أبى أن يأخذه ، وقال لي يوجد هيهنا من هو أفقر مني فأعطه إياه .