وسألته عن بولس رفيقك المعهود ، فما كان يعرفه معرفة تامة ، والقدر الذي تبين من أمره أنه كان رجلاً خياماً ثم ترك شغله واشتغل بالتبليغ لهذا المذهب الجديد مذهب الرب الرؤوف الرحيم الإله الذي بينه وبين « يهوه » إله يهود الذي لا نزال نسمعه من علماء اليهود من الفرق ما هو أبعد مما بين السماء والأرض .
والظاهر أن بولس سافر أولاً الى آسيا الصغرى ثم الى يونان وأنه كان يقول للعبيد والأرقاء إنهم جميعاً أبناء لأب يحبهم ويرأف بهم ، وأن السعادة ليست تخص بعض الناس دون بعض بل تعم جميع الناس من فقير وغني بشرط أن يعاشروا على المؤاخاة ، ويعيشوا على الطهارة والصداقة ، انتهى ملخصاً .
هذه عامة فقرات هذا الكتاب مما يرتبط بما نحن فيه من البحث .
وبالتأمل في جمل مضامين هذا الكتاب يتحصل للمتأمل أن ظهور الدعوة المسيحية كيف كان في بني إسرائيل بعيد عيسى عليهالسلام ، وأنه لم يكن إلا ظهور دعوة نبوية بالرسالة من عند الله لا ظهور دعوة إلهية بظهور اللاهوت ونزولها اليهم وتخليصهم بالفداء !
ثم إن عدة من تلامذة عيسى أو المنتسبين اليه كبولس وتلامذة تلامذتهم سافروا بعد وقعة الصلب إلى مختلف أقطار الأرض من الهند وإفريقية ورومية وغيرها ، وبسطوا الدعوة المسيحية لكنهم لم يلبثوا دون أن اختلفوا في مسائل أصلية من التعليم كلاهوت المسيح ، وكفاية الإيمان بالمسيح عن العمل بشريعة موسى وكون دين الإنجيل ديناً أصيلاً ناسخاً لدين موسى أو كونه تابعاً لشريعة التوراة مكملاً إياها (١) فافترقوا عند ذلك فرقاً .
والذي يجب الإمعان فيه أن الامم التي بسطت الدعوة المسيحية وظهرت فيها أول ظهورها كالروم والهند وغيرهما كانوا قبلها منتحلين بالوثنية الصابئة أو البرهمنية أو البوذائية ، وفيها اصول من مذاق التصوف من جهة ، والفلسفة البرهمنية من جهة ، وفيها جميعاً شطر وافر من ظهور اللاهوت في مظهر الناسوت ، على أن القول بتثليث
__________________
(١) يشير إليه كتاب الرسل ووسائل بولس ، وقد اعترضت به النصارى .