الإتيان بالأعمال الصالحة فهو وإن كان مما يتفرع على ذلك ويلزمه غير أنه ليس بمقوم لهذه التوبة ولا ركناً منها ؛ ولا في الآية دلالة عليه .
وفي قوله : فإن الله غفور رحيم وضع العلة موضع المعلول والتقدير فيغفر الله له ويرحمه فإن الله غفور رحيم .
قوله تعالى : إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً إلى آخر الآيتين تعليل لما يشتمل عليه قوله أولاً : كيف يهدي الله قوماً كفروا « الخ » وهو من قبيل التعليل بتطبيق الكلي العام على الفرد الخاص ، والمعنى أن الذي يكفر بعد ظهور الحق وتمام الحجة عليه ، ولا يتوب بعده توبة مصلحة إنما هو أحد رجلين إما كافر يكفر ثم يزيد كفراً فيطغي ، ولا سبيل للصلاح اليه فهذا لا يهديه الله ولا يقبل توبته لأنه لا يرجع بالحقيقة بل هو منغمر في الضلال ، ولا مطمع في اهتدائه .
وإما كافر يموت على كفره وعناده من غير توبة يتوبها فلا يهديه الله في الآخرة بأن يدخله الجنة إذ لم يرجع إلى ربه ولا بدل لذلك حتى يفتدي به ، ولا شفيع ولا ناصر حتى يشفع له أو ينصره .
ومن هنا يظهر أن قوله : واولئك هم الضالون باشتماله على اسمية الجملة ، والإشارة البعيدة في اولئك ، وضمير الفصل ، والاسمية واللام في الخبر يدل على تأكد الضلال فيهم بحيث لا ترجى هدايتهم .
وكذا يظهر أن المراد بقوله : وما لهم من ناصرين نفي انتفاعهم بالشفعاء الذين هم الناصرون يوم القيامة فإن الإتيان بصيغة الجمع يدل على تحقق ناصرين يوم القيامة كما مر نظيره في الاستدلال على الشفاعة بقوله تعالى : فما لنا من شافعين الآية في مبحث الشفاعة ( آية ٤٨ من سورة البقرة ) فارجع إليه .
وقد اشتملت الآية الثانية على ذكر نفي الفداء والناصرين لكونهما كالبدل ، والبدل إنما يكون من فائت يفوت الإنسان ، وقد فاتتهم التوبة في الدنيا ولا بدل لها يحل محلها في الآخرة .
ومن هنا يظهر أن قوله : وماتوا وهم كفار
في معنى : وفاتتهم التوبة فلا ينتقض هذا البيان الظاهر في الحصر بما ذكره الله تعالى في قوله : « وَلَيْسَتِ
التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ