وذلك بإلقاء شبهات إلى المؤمنين يرون بها الحق باطلاً ، والباطل الذي يدعونهم إليه حقاً والآيات السابقة تدل على ما انحرفوا فيه من إنكار حلية كل الطعام قبل التوراة ، وإنكار نسخ استقبال بيت المقدس فهذه الآيات متممات للآيات السابقة المتعرضة لحل الطعام قبل التوراة ، وكون الكعبة أول بيت وضع للناس فهي تشتمل على الإنكار والتوبيخ لليهود في إلقائهم الشبهات وتفتينهم المؤمنين في دينهم ، وتحذير للمؤمنين أن يطيعوهم فيما يدعون إليه فيكفروا بالدين ، وترغيب وتحريص لهم أن يعتصموا بالله فيهتدوا إلى صراط الإيمان وتدوم هدايتهم .
وقد ورد عن زيد بن أسلم كما رواه السيوطي في لباب النقول على ما قيل (١) : أن شاش بن قيس ـ وكان يهودياً ـ مر على نفر من الأوس والخزرج يتحدثون فغاظه ما رأى من تآلفهم بعد العداوة فأمر شاباً معه من اليهود أن يجلس بينهم فيذكرهم يوم بعاث ففعل ، فتنازعوا وتفاخروا حتى وثب رجلان . أوس بن قرظي من الأوس ، وجبار بن صخر من الخزرج فتقاولا وغضب الفريقان ، وتواثبوا للقتال فبلغ ذلك رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم فجاء حتى وعظهم وأصلح بينهم فسمعوا وأطاعوا فأنزل الله في أوس وجبار : يا أيها الذين آمنوا إن تطيعوا فريقاً من الذين اوتوا الكتاب الآية ، وفي شاش بن قيس : يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله الآية .
والرواية مختصرة مستخرجة مما رواه في الدر المنثور عن زيد بن أسلم مفصلاً وروي ما يقرب منها عن ابن عباس وغيره .
وكيف كان ، الآيات أقرب انطباقاً على ما ذكرنا منها على الرواية كما هو ظاهر ، على أن الآيات يذكر الكفر والإيمان ، وشهادة اليهود ، وتلاوة آيات الله على المؤمنين ، ونحو ذلك ، وكل ذلك لما ذكرناه أنسب ، ويؤيد ذلك قوله تعالى : « وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم الآية » البقرة ـ ١٠٩ ، فالحق كما ذكرنا أن الآيات متممة لسابقتها .
قوله تعالى : قل يا أهل الكتاب لم تكفرون بآيات الله « إلخ » ، المراد بالآيات بقرينة وحدة السياق حلية الطعام قبل نزول التوراة ، وكون القبلة هي الكعبة في الاسلام .
__________________
(١) المجلد الرابع من تفسير المنار : سورة آل عمران ـ تفسير الآية .