قوله تعالى : قل يا أهل الكتاب لم تصدون عن سبيل الله إلى قوله : عوجاً ، الصد الصرف ، وقوله : تبغونها أي تطلبون السبيل ، وقوله : عوجاً : العوج المعطوف المحرف ، والمراد طلب سبيل الله معوجاً من غير استقامة .
قوله تعالى : وأنتم شهداء ، أي تعلمون أن الطعام كان حلاً قبل نزول التوراة وأن من خصائص النبوة تحويل القبلة إلى الكعبة ، وقد حاذى في عدهم شهداء في هذه الآية ما في الآية السابقة من عد نفسه تعالى شهيداً على فعلهم وكفرهم ، وفيه من اللطف ما لا يخفى فهم شهداء على حقية ما ينكرونه والله شهيد علي إنكارهم وكفرهم . ولما نسب الشهادة إليهم في هذه الآية أبدل ما ذيل به الآية السابقة أعني قوله : والله شهيد علی ما تعملون من قوله في ذيل هذه الآية : وما الله بغافل عما تعملون فأفاد ذلك أنهم شهداء على الحقية ، والله سبحانه شهيد على الجميع .
قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا ـ إلى قوله ـ : وفيكم رسوله ، المراد بالفريق كما تقدم هم اليهود أو فريق منهم ، وقوله تعالى : وأنتم تتلی عليكم آيات الله وفيكم رسوله أي يمكنكم أن تعتصموا بالحق الذي يظهر لكم بالإنصات إلى آيات الله والتدبر فيها ثم الرجوع فيما خفي عليكم منها لقلة التدبر أو الرجوع ابتداء إلى رسوله الذي هو فيكم غير محتجب عنكم ولا بعيد منكم ، واستظهار الحق بالرجوع اليه ثم إبطال شبه القتها اليهود إليكم والتمسك بآيات الله وبرسوله والاعتصام بهما اعتصام بالله ؛ ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم .
فالمراد بالكفر في قوله : وكيف تكفرون ، الكفر بعد الإيمان ، وقوله : وأنتم تتلى عليكم ، كناية من إمكان الاعتصام في الاجتناب عن الكفر بآيات الله وبرسوله ، وقوله : ويعتصم بالله ، بمنزلة الكبرى الكلية لذلك والمراد بالهداية إلى صراط مستقيم الاهتداء إلى إيمان ثابت وهو الصراط الذي لا يختلف ولا يتخلف أمره ، ويجمع سالكيه في مستواه ولا يدعهم يخرجون عن الطريق فيضلوا .
وفي تحقيق الماضي في قوله : فقد هدى ، مع حذف الفاعل دلالة على تحقق الفعل من غير شعور بفاعله .
ويتبين من الآية أن الكتاب والسنة كافيان في الدلالة على كل حق يمكن أن يضل فيه .