حسب ما يطبقه كل فهم على ما يستطيعه صاحبه ثم يكون ذلك وسيلة ليفهم من هذه الآية أعني قوله : اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون أن المراد أن يقعوا في صراط حق التقوى ، ويقصدوا نيل هذا المقام والشخوص والمثول فيه ، وذلك نظير الاهتداء إلى الصراط المستقيم الذي لا يتمكن منه إلا الأوحديون ، ومع ذلك يدعى اليه جميع الناس ، فيكون محصل الآيتين : ( اتقوا الله حق تقاته ـ فاتقوا الله ما استطعتم ) أن يندب جميع الناس ويدعوا إلى حق التقوى ثم يؤمروا بالسير إلى هذا المقصد ما قدروا واستطاعوا ، وينتج ذلك أن يقع الجميع في صراط التقوى إلا أنهم في مراحل مختلفة ، وعلى درجات مختلفة على طبق ما عندهم من الأفهام والهمم ، وعلى ما يفاض عليهم من توفيق الله وتأييده وتسديده ، فهذا ما يعطيه التدبر في معنى الآيتين .
ومنه يظهر : أن الآيتين غير مختلفتين بحسب المضمون ، ولا أن الآية الاولى أعني قوله : اتقوا الله حق تقاته الآية ، اريد بها عين ما اريد من قوله : فاتقوا الله ما استطعتم الآية ، بل الآية الاولى تدعو إلى المقصد والثانية تبين كيفيه السلوك .
قوله تعالى : ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون الموت من الامور التكوينية التي هي خارجة عن حومة اختيارنا ، ولذلك يكون الأمر والنهي المتعلقان به وبأمثاله أمراً ونهياً تكوينيين كقوله : « فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا » البقرة ـ ٢٤٣ ، وقوله : « أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ » يس ـ ٨٢ ، إلا أنه ربما يجعل الأمر غير الاختياري مضافاً إلى أمر اختياري فيتركبان بنحو وينسب المركب الى الاختيار فيتأتى الأمر والنهي الاعتباري حينئذ كقوله تعالى : « فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ » البقرة ـ ١٤٧ ، وقوله : « وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ » هود ـ ٤٢ ، وقوله : « وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ » التوبة ـ ١١٩ ، وغير ذلك ، فإن أصل الكون لازم تكويني للإنسان لا أثر لاختياره فيه لكنه بارتباطه بأمر اختياري كالامتراء والكفر والتزام الصدق مثلاً يعد أمراً اختيارياً فيؤمر به وينهى عنه أمراً ونهياً مولويين .
وبالجملة النهي عن الموت إلا مع الإسلام إنما هو لمكان عده اختيارياً ويرجع بالآخرة إلى الكناية عن لزوم التزام الإسلام في جميع الحالات حتى يقع الموت في واحدة من هذه الحالات ، فيكون الميت مات في حال الإسلام .
قوله
تعالى : واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا
، ذكر سبحانه فيما مر