واعتصامهم بحبله لأنه حبل الله رب العالمين كما يومي اليه ما في آخر الآيات من قوله : تلك آيات الله نتلوها عليك ، الآيتان .
وبالجملة هو أمرهم أن لا يقبلوا قولاً ، ولا يطيعوا أمراً إلا عن علم بوجهه ، ثم أمرهم بالتسليم المطلق لنفسه وبين وجهه أنه هو الله الذي يملكهم على الإطلاق فليس لهم إلا ما أراده فيهم وتصرف فيه منهم ، وأمرهم بالطاعة المطلقة لما يبلغه رسوله وبين وجهه بأنه رسول لا شأن له إلا البلاغ ، ثم يكلمهم بحقائق المعارف ، وبيان طرق السعادة ، وبيّن الوجه العام في جميع ذلك ليهتدوا إلى روابط المعارف ، وطرق السعادة فيتحققوا أصل التوحيد ، وليتأدبوا بهذا الأدب الإلهي فيتسلطوا على سبيل التفكر الصحيح ، ويعرفوا طريق التكلم الحق فيكونوا أحياء بالعلم أحراراً من التقليد ، ونتيجة ذلك أنهم لو عرفوا وجه الأمر في شيء من المعارف الثابتة الدينية أو ما يلحق بها أخذوا به ، ولو لم يعرفوا وقفوا عن الرد ورجعوا نيله بالبحث والتدبر من غير رد أو اعتراض بعد ثبوته .
وهذا غير أن يقال : إن الدين موضوع على أن لا يقبل شيء حتى من الله ورسوله إلا عن دليل فإن ذلك من أسفه الرأي وأردأ القول ، ومرجعه إلى أن الله يريد من عباده أن يطالبوا الدليل بعد وجوده فإن ربوبيته وملكه أصل كل دليل على وجوب التسليم ونفوذ الحكم . ورسالة رسوله هو الدليل على أن ما يؤديه عن الله سبحانه فافهم ذلك ، أو مرجعه إلى إلغاء ربوبيته فيما يتصرف فيه بربوبيته وليس إلا التناقض ، والحاصل أن المسلك الإسلامي والطريق النبوي ليس إلا الدعوة إلى العلم دون التقليد على ما يزعمه هؤلاء المقلدة المتسمون بالناقدين .
ولعل الوجه في ذكر أن هذا المذكور نعمة ( نعمة الله عليكم ) هو الإشارة إلى ما ذكرناه أي إن الدليل على ما ندبناكم اليه من الاتحاد والاجتماع هو ما شاهدتموه من مرارة العداوة وحلاوة المحبة والالفة والاخوة والإشراف على حفرة النار والتخلص منها ، وإنما نذكركم بهذا الدليل لا لأن علينا أن نؤيد قولنا بما لولاه لم يكن حقاً فإنما قولنا حق سواء دللنا عليه أو لا ، بل لأن تعلموا أن ذلك نعمة منا عليكم فتعرفوا أن في هذا الاجتماع كسائر ما نندبكم اليه سعادتكم وراحتكم ومفازتكم .
وما ذكره تعالى من الدليلين أحدهما وهو قوله
: إذ كنتم أعداء ، مبتن على أصل