التجربة ، والثاني وهو قوله : وكنتم على شفا حفرة ، على طريقة البيان العقلي كما هو ظاهر .
وفي قوله : فأصبحتم بنعمته إخواناً تكرار للامتنان الذي يدل عليه قوله : واذكروا نعمة الله عليكم ، والمراد بالنعمة هو التأليف ، فالمراد بالاخوّة التي توجده وتحققه هذه النعمة أيضاً تألف القلوب فالاخوة هاهنا حقيقة ادعائية .
ويمكن أن يكون إشارة إلى ما يشتمل عليه قوله : « إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ » الآية ـ الحجرات ـ ١٠ ، من تشريع الاخوة بينهم فإن بين المؤمنين أُخوّة مشرعة تتعلق بها حقوق هامة .
قوله تعالى : وكنتم علی شفا حفرة من النار فأنقذكم منها ، شفا الحفرة طرفها الذي يشرف على السقوط فيها من كان به .
والمراد من النار إن كان نار الآخرة ، فالمراد بكونهم على شفا حفرتها أنهم كانوا كافرين ليس بينهم وبين الوقوع فيها إلا الموت الذي هو أقرب إلى الإنسان من سواد العين إلى بياضها فأنقذهم الله منها بالإيمان .
وإن كان المراد بيان حالهم في مجتمعهم الفاسد الذي كانوا فيه قبل إيمانهم وتألف قلوبهم ، وكان المراد بالنار هي الحروب والمنازعات ـ وهو من الاستعمالات الشائعة بطريق الاستعارة ـ فالمقصود أن المجتمع الذي بني على تشتت القلوب واختلاف المقاصد والأهواء ، ولا محالة لا يسير مثل هذا المجتمع بدليل واحد يهديهم إلى غاية واحدة بل بأدلة شتى تختلف باختلاف الميول الشخصية والتحكمات الفردية اللاغية التي تهديهم إلى أشد الخلاف والاختلاف ـ يشرفهم إلى أردأ التنازع ـ ويهددهم دائماً بالقتال والنزال ، ويعدهم الفناء والزوال ، وهي النار التي لا تبقى ولا تذر على حفرة الجهالة التي لا منجا ولا مخلص للساقط فيها .
فهؤلاء وهم طائفة من المسلمين كانوا آمنوا قبل نزول الآية بعد كفرهم ، وهم المخاطبون الأقربون بهذه الآيات لم يكونوا يعيشون مدى حيوتهم قبل الإسلام إلا في حال تهددهم الحروب والمقاتلات آناً بعد آن ، فلا أمن ولا راحة ولا فراغ ، ولم يكونوا يفقهون ما حقيقة الأمن العام الذي يعم المجتمع بجميع جهاتها من جاه ومال وعرض ونفس وغير ذلك .