من أهل منطقته ، فهذه العلة المؤتلفة الأجزاء هي تأويل فعله أو تركه من غير أن تكون عين فعله أو تركه لكنها محكيّة مضمنة محفوظة بالفعل أو الترك ؛ ولو فرض تبدل المحيط الاجتماعي لتبدل ما أتى به من الفعل أو الترك .
فالأمر الذي له التأويل سواء كان حكماً أو قصة أو حادثة يتغير بتغير التأويل لا محالة ، ولذلك ترى أنه تعالى في قوله : فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله الآية ، لما ذكر اتباع أهل الزيغ ما ليس بمراد من المتشابه ابتغاءاً للفتنة ذكر أنهم بذلك يبتغون تأويله الذي ليس بتأويل له وليس إلا لأن التأويل الذي يأخذون به لو كان هو التأويل الحقيقي لكان اتباعهم للمتشابه اتباعاً حقاً غير مذموم وتبدل الأمر الذي يدل عليه المحكم وهو المراد من المتشابه الى المعنى غير المراد الذي فهموه من المتشابه واتبعوه .
فقد تبين : أن تأويل القرآن حقائق خارجية تستند اليه آيات القرآن في معارفها وشرائعها وسائر ما بينته بحيث لو فرض تغير شيء من تلك الحقائق انقلب ما في الآيات من المضامين .
وإذا أجدت التدبر وجدت أن هذا ينطبق تمام الانطباق على قوله تعالى : « وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ » الزخرف ـ ٤ ، فإنه يدل على أن القرآن النازل كان عند الله أمراً أعلى وأحكم من أن يناله العقول أو يعرضه التقطع والتفصل لكنه تعالى عناية بعباده جعله كتاباً مقرراً وألبسه لباس العربية لعلهم يعقلون ما لا سبيل لهم إلى عقله ومعرفته ما دام في ام الكتاب ، وام الكتاب هذا هو المدلول عليه بقوله : « يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ » الرعد ـ ٣٩ ، وبقوله : « بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ » البروج ـ ٢٢ .
ويدل على إجمال مضمون الاية أيضاً قوله تعالى : « كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ » هود ـ ١ ، فالإحكام كونه عند الله بحيث لا ثلمة فيه ولا فصل ، والتفصيل هو جعله فصلاً فصلاً وآية آية وتنزيله على النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم .
ويدل على هذه المرتبة الثانية التي تستند
إلى الاولى قوله تعالى : « وَقُرْآنًا
فَرَقْنَاهُ