فهو امر صحيح لطيف الا ان هذا بعيد عن تصوراته في باب الجعل والمجعول (١).
__________________
(١) يخطر في الذهن كلمات ثلاث :
١ ـ الكلمة الأولى ـ وهي توسعة لهذا التخريج والعلاج للمشكلة وحاصله :
ان هذا التخريج يمكن إيراده حتى على الافتراض الأول في دليل الاستصحاب أي افتراض ان مفاد دليل الاستصحاب هو التنزيل ولكن بعد تعديل وتمحيص لمعنى التنزيل فانه ليس المقصود بالتنزيل جعل حكم شرعي مماثل بالخصوص بل يعم تنزيل المشكوك منزلة الواقع في الأثر العملي بمعنى التنجيز والتعذير أيضا بناء على ما حققناه في بحوث القطع من إمكان ذلك ، لأن هذه كلها صياغات اعتبارية معقولة مع كون روح الحكم الظاهري في جميع ذلك امرا واحدا تقدم شرحه في حقيقة الحكم الظاهري.
وبعد هذا التعديل نقول ان مرجع التنزيل في المقام إلى اعتبار المستصحب بمنزلة الواقع في ترتيب ما يترتب عليه من التنجيز والتعذير ، والمفروض ان المستصحب اما تمام الموضوع أو جزؤه لتنجيز كل تلك الآثار والأحكام الشرعية الطولية المترتبة إذا كانت الوسائط شرعية فتترتب بخلاف ما إذا كانت الواسطة عقلية فلا تترتب وهذا يعني ان روح هذا العلاج لا يختص بالافتراض الثاني دون الأول.
٢ ـ الكلمة الثانية ـ وهي مناقشة في صحة هذا العلاج وحاصلها : منع ما يستبطنه من ان دليل الأثر الشرعي غير المباشر ظاهره ان الحكم الأول بكبراه وصغراه موضوع للحكم الثاني بل ظاهر الدليل ترتبه على فعلية الحكم الشرعي الأول وان كان واقعه امرا وهميا فان هذا الأمر الوهمي هو الّذي يفهمه العرف ويتعامل معه في فهم دلالات الخطابات سعة وضيقا فلا بد من إحراز هذا الأمر الوهمي اما وجدانا أو تعبدا والأول غير موجود في مورد الاستصحاب والثاني لا يمكن استفادته منه بحسب التفسير المتقدم لمفاد دليله.
بل نترقى أكثر ونقول : ان هذا الفهم العرفي الوهمي هو المحكم حتى على دليل الاستصحاب نفسه بناء على ما تقدم في دفع شبهة التعارض بين استصحاب بقاء المجعول واستصحاب عدم الجعل الزائد فلو لا ان الأحكام الشرعية ينظر إليها بما هي خارجية وان ظرف الاتصاف بها هو الخارج وتحكيم هذا النّظر على دليل الاستصحاب لاستفحلت شبهة المعارضة هناك ومع تحكيم هذا النّظر لا يكون اليقين بموضوع الأثر الشرعي الأول محركا بنفسه نحو الأثر الشرعي الثاني بل يقع في صراط توليد اليقين بذلك الأثر فلا يمكن ترتيبه بالتعبد ببقاء اليقين الأول.
لا يقال ـ بعد ان كان العقل يكتفي في التنجيز بإحراز الصغرى والكبرى كفى ذلك في جريان الاستصحاب وان لم يكن ذلك مفهوما عرفا لأن هذا الفهم العرفي يرجع بحسب الحقيقة إلى عدم تشخيص المصداق للنقض العملي لا المفهوم وهو ليس بحجة. وان شئت قلت : ان الأثر الشرعي غير المباشر أصبح حقيقة أثرا شرعيا مباشرا غاية الأمر قد لا يدركه العرف وهو غير ضائر نظير ما إذا لم يعلم العرف بانتقاض الطهور بالنوم فان هذا لا يمنع عن جريان استصحاب عدمه عند من يعرف ترتب الأثر الشرعي عليه.
فانه يقال ـ أولا ـ ان تم هذا الكلام جرى في شبهة المعارضة أيضا وادى ذلك إلى جريان استصحاب عدم الجعل الزائد ومعارضته مع استصحاب بقاء المجعول غاية الأمر أحدهما يكون بالنظر الدقي والآخر بالنظر العرفي.
وثانيا ـ ما أجبنا به على هذا الاعتراض في تلك المسألة من ان هذين النظرين متهافتان في المرتبة السابقة على تطبيق دليل الاستصحاب بحيث لا بد من حمل الدليل على أحدهما فإذا فرض تحكيم النّظر العرفي ـ كما هو المتعين ـ فكما لا يجري استصحاب عدم الجعل الزائد لا يجري استصحاب الموضوع لترتيب الآثار الطولية غير المباشرة عليه لعدم كونها من اقتضاءات اليقين بذلك الموضوع.
٣ ـ الكلمة الثالثة ـ انه لا محيص من سلوك منهج صاحب الكفاية ( قده ) من دعوى انصراف دليل الاستصحاب إلى النهي عن نقض اليقين بلحاظ ما هو الأثر الشرعي سواء كان مفاده التعبد ببقاء المتيقن أو اليقين أو النهي عن النقض العملي ـ ولكن لا بالتقريب المتقدم من استفادة تنزيلات طويلة متعددة إذ قد عرفت المناقشة فيه ، بل بتقريب ان النقض وان كان مسندا إلى اليقين الا ان المنظور إليه على كل التقادير في تفسير الحديث عدم رفع اليد عما يستتبعه المتيقن من الموقف العملي والوظيفة تجاه