وقد بين سبحانه وتعالى أن غير المؤمنين كانوا يستأذنون النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في البقاء فرارا من الجهاد بين يديه ، فأمره بأن لا يأذن لاحد إذا لم تبين الحال ، أما إذا تبين الحال فقد أجاز الله المؤمنين أن يستأذنوا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في بعض شأنهم ، وأجاز للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أن يأذن لمن شاء منهم ، وإذن فلا منافاة بين الآيتين لتكون إحداهما ناسخة للاخرى.
٢٦ ـ « مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ٩ : ١٢٠ ».
فعن ابن زيد : انها منسوخة (١) بقوله تعالى :
« وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً ٩ : ١٢٢ ».
والحق : أنه لا نسخ فيها ، فإن الآية الثانية قرينة متصلة بالآية الاولى ، وحاصل المراد منهما أن وجوب النفر إنما هو على البعض من المسلمين على نحو الكفاية ، فلا تكون ناسخة ، نعم قد يجب النفير إلى الجهاد على جميع المسلمين إذا اقتضته ضرورة وقتية ، أو طلبه الولي العام الشرعي ، أو لما سوى ذلك من الطوارئ ، وهذا الوجوب هو غير وجوب الجهاد كفائيا الذي ثبت بأصل الشرع على المسلمين بذاته ، وكلا الوجوبين باق ، ولم ينسخ.
__________________
١ ـ الناسخ والمنسوخ للنحاس ص ١٨١ ونسب القرطبي القول بالنسخ فيها إلى مجاهد أيضا ج ٨ ص ٣٩٢.