عليه ، ويقول : سمعت ، ورأيت ؛ فاغتنمت (١) ، وأقبلت عليه ، وأمهلته حتّى انفضَّ عنه أكثر من كان عنده ، وقلت له : أنا رجل من أهل البصرة ، خرجت لطلب العلم ، وأحببت أن أسمع منك شيئاً أحدِّث به عنك .
فقال : يا أهل البصرة ، ما أجرأ الناس على الله تعالى وعلى رسوله (ص) ، وعلى هتك الدين وفتنة المسلمين ! ألا بشرٍ عليكم أهل الغدر والنكث ، بتوثبكم على أهل الحقّ والصدق ، وإنّ أول الفتنة في هذا الدين من بين أفنيتكم وأنديتكم ولمّا ضربت بجرانها وكنانها ، تراغى إليها الأكابر ، واصطلى بها الأصاغر ، فأذكوا شواظَّها ، وألكوا في دلاظها (٢) ، حتّى إذا عمّهم عارها وشنارها رماها الله تعالى بأمير المؤمنين عليه السلام وسيّد الوصيّين وأخي رسول ربّ العالمين ، فأقشع به عنكم الإِفك ، وجلى به عنكم الشرك ، وقتل به أهل النكث والإِفك ، وقامت به حجّة الحق ، وما كنتم بررة راشدين ، ولا جهلة مسترشدين ، ولقد استبدلتم الذي هو أدنى بالذي هو خير ، واستحببتم العمى على الهدى ، فبعداً للقوم الظالمين .
قال : فأمسكت عنه حتّى فرغ من كلامه ، ثمّ قلت : أيّها الشيخ ، لقد عممت أهل البصرة ، وقد كان فيهم المؤمن والكافر ، والبر والفاجر ، والسعيد والشقي ، ولقد نصر الله تعالى وليّه ودينه منهم بقوم كما قال الله تعالى : ( إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكْرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ) (٣) قد كشف الله لهم عن قلوبهم وأبصارهم حتّى
___________________
(١) في ر ، ك : فاغتمدت ، وفي م ، وهامش ك : فاغتممت .
(٢) وألكوا في دلاظها : المراد أنهم لاكوا هذه الفتنة وعلكوها ، انظر لسان العرب ٧ / ٤٤٤ مادة (دلظ) ، وج ١٠ / ٣٩١ (الك) ، وفي بعض النسخ : أفكوا . والمراد : تقلبوا أو احترقوا في نار هذه الفتنة . انظر لسان العرب : ١٠ : ٣٩١ (أفك) .
(٣) سورة ق الآية : ٣٧ .