المآب ، وأقبلت قبيلة همدان برايتها مع سعيد بن قيس كأنّها سحابة مودقة .
قال ربيعة : فاتكيت على رمحي ، ورفعت (١) طرفي إلى السّماء ، وقلت في نفسي : يا ربّ ، هذا أخو نبيّك ووصيّه ، وأحبّ الخلق (٢) إليه ، وأزلفهم لديه ، وأقربهم منه ، وأنصرهم له ، وأعلمهم بالدّين ، وأنصحهم للمسلمين ، وأهداهم للحقّ ، وأعلمهم بالكتاب ، وأعملهم به ، وبما يأتي ويذر ، فثبّت كلمته ، وقصهم على دعوته ، إنّ هذا الأمر ما يرد بهذا الخلق ، ولله الخلق والأمر ، يصيب برحمته من يشاء ، اللّهمّ وقد ضعفت عن حمل ذلك ، فافتح اللهم لي ما تثبّت به قلبي ، وتشرح به صدري ، وتطلق به لساني ، وتذهب به نزغ الشيطان الرجيم ، وهمزه وكيده ووسوسته وخيله ورجله .
قال ربيعة : فلمّا استتم الدعاء إذا أنا بمقرعة بين كتفي ، فالتفت فإذا أنا بأمير المؤمنين عليه السلام وهو على بغلة رسول الله (ص) وبيده عنزة (٣) رسول الله (ص) ، وكأنّ وجهه كدائرة القمر إذا أبدر ، فقال لي : «يا ربيعة ، لشد ما جزعت ، إنّما الناس رائح ومقيم ، فالرائح من يحببه هذا اللقاء إلى جنّة المأوى ، وإلى سدرة المنتهى ، وإلى جنّة عرضها كعرض السّماء والأرض ، أعدّت للمتقين ؛ والمقيم بين اثنين : إمّا نعم مقلّة ، أو فتنة مضلّة ، يا ربيعة ، حيّ على معرفة ما سألت ربا»
ومَرَّ يفري الأرض فرياً واتبعته حتّى خرج عن العسكر ، وجازه بميل أو نحوه ، وثنى رجله عن البغلة ، ونزل وخر على الأرض للدُّعاء ، يقلّب كفّيه بطناً وظهراً ، فما ردّ يده حتّى نشأت قطعة سحابة كأنّها
___________________
(١) في ر : رجعت .
(٢) في ص ، ع : الناس .
(٣) العنزة : مثل نصف الرمح أو أكبر . «النهاية ٣ : ٣٠٨» .