فلمّا وصل الرجل بما بعث معه إليه ودخل بعد دفع كثير واستشفاع قال له : «إرجع أيّها الخائن من حيث جئت بهديتك» .
فقال : أبعْد شقة بعيدة ، ومشقة شديدة ، وإقامة حول الباب لا تقبل هدية الملك ؟! فقال : «ليس لك عندي جواب ، وما كنت بالذي أقبلها لأنّك خائن فيما أتيت به وائتمنت عليه» . فقال : والله ما خنتك ولا خنت الملك . فقال عليه السلام : «فإن شهد عليك بالخيانة بعض ثيابك تقر بالإِسلام ؟» قال : أو تعفيني عن ذلك وتسأل بما أحييت من بعد ؟ .
فأمر به فخلع من أعلاه فرو ، ثمّ أمر به فبسط في ناحية (١) ، الدار ، ثمّ قام عليه السلام فصلّى ركعتين وأطال الركوع والسجود ، ودعا بما أحبَّ ثمّ رفع رأسه وقد علاه نور وقال : «أيّها الفرو الطائع لله تعالى تكلّم بما تعلم منه ، وصف لنا ما جنى» فانبسط الفرو ثمّ انقبض وانضم حتّى صار كالكبش البازل (٢) فسمعه من في المجلس وهو يقول : يا ابن رسول الله الصادق ، بعث إليك ملك الهند هذا الرجل وائتمنه على هذه الجارية وما معه من المال ، وأوصاه بحفظهما وحياطتهما ، فلم يزل على ذلك حتّى صرنا إلى بعض الصحارى فأصابنا المطر حتّى ابتلّ جميع ما معنا ، فأقمنا في ذلك الموضع شهراً كاملاً حتّى طلعت الشمس واحتبس المطر ، وعلّقنا ما معنا على الحجر والأشجار ، فنادى خادماً كان مع الجارية يخدمها يقال له : بشير (٣) فقال : يا بشير (٤) ، لو دخلت هذه المدينة فأتيتنا بما فيها من الطعام إلى أن تجفّ رواحلنا كنا قد أكلنا من طعام هذه المدينة . فدفع إليه دراهمَ كثيرة ودخل الخادم المدينة .
___________________
(١) في ر ، م ، ك : ساحة .
(٢) البازل : الكامل . «لسان العرب ـ بزل ـ ١١ : ٥٢» .
(٣ ، ٤) في م : بشر .