فبكى المأمون حتّى اخضلت لحيته من دموعه ، ثمّ قال : يا عبد الله ، أيلومني أهل بيتي وأهل بيتك أن أنصب أبا الحسن علماً ، فوالله لأحدّثنك بحديث ، فاكتمه علي .
جئته يوماً فقلت له : جعلت فداك ، آباؤك موسى بن جعفر وجعفر بن محمد ومحمّد بن علي وعلي بن الحسين والحسين بن علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليهم السلام كان عندهم علم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة ، وأنت وصي (١) القوم ، وعندك علمهم ، وهذه الزاهرية حظيتي ومَن لا أقدّم عليها أحداً من جواري ، وقد حملت غير مرّة كل ذلك تسقط ، وهي حبلى ، أفلا تعلمني شيئاً أعلمها فتعالج به فلعلها تسلم ؟
قال المأمون : فأطرق إطراقة ثم رفع رأسه وقال : «لا تخف من إسقاطها ، فإنّها ستسلم وتلد لك غلاماً أشبه الناس بأمّه ، كأنّ وجهه الكوكب الدري ، وقد زاد الله في خلقه مرتين» . قلت : فما المرتان الزائدتان ؟ قال : «فالأولىٰ بيده اليمنى خنصرة زائدة ليست بالمدلاة ، وفي رجله اليسرىٰ خنصرة زائدة ليست بالمدلاة» .
فتعجبت من ذلك ، ولم أزل أتوقع من الزاهرية حتّى إذا قرب أمرها جاءتني القيّمة على الجواري وعلى أمّهات الأولاد فقالت : يا سيدي ، إن الزاهرية قد دنت ولادتها ، فتأذن لي أن أدخل عليها القوابل ؟ فأذنت لها في ذلك .
ثمّ قلت : إذا وضعت المولود فأتيني به ذكراً كان أو أنثى ؛ فما شعرت إلَّا وأنا بالقابلة قد أتتني بغلام مدرج في حريرة ، فكشفت عن وجهه كأنّه الكوكب الدري ، أشبه الناس بأمّه ، فرددت الغلام على القابلة ، وقمت أسعى حافياً ، وكان عليه السلام نزل معي في الدار ،
___________________
(١) في ش ، ص ، ك : رئيس .