فلمّا أجاب قام أبو محمّد عليه السلام مع الغلام وانصرفت عنهما ، وطلبت أثر أحمد بن اسحاق فاستقبلني باكياً ، فقلت : ما أبكاك وأبطأك ؟ فقال : قد فقدت الثوب الذي سألني مولاي إحضاره . فقلت : لا عليك ، فأخبره ، وانصرف من عنده متبسماً ، وهو يصلّي على محمّد وآل محمّد ، فقلت : ما الخبر ؟ قال : وجدت الثوب مبسوطاً تحت قدمي مولاي يصلّي عليه .
قال سعد : فحمد الله تعالى وأثنىٰ عليه على ذلك ، وجعلنا نختلف بعد ذلك إلى منزله عليه السلام أيّاماً ، ولا نرى الغلام بين يديه .
فلمّا كان يوم الوداع دخلت أنا وأحمد بن إسحاق وكهلان من أهل بلدنا ، فانتصب أحمد بن إسحاق قائماً بين يديه ، وقال : يا ابن رسول الله ، قد دنت الرحلة واشتدَّت المحنة ، ونحن نسأل الله تعالى أن يصلّي على جدّك المصطفى ، وعلىٰ المرتضى أبيك ، وعلى سيدة النساء أمِّك ، وعلى سيدي شباب أهل الجنّة عمك وأبيك ، وعلى الأئمة الطاهرين من بعدهما آبائك ، وأن يصلّي عليك وعلى ولدك ، ونرغب إليه أن يعلي كعبك ، ويكبت عدوك ، ولا جعله الله هذا آخر عهدنا من لقائك .
فلمّا قال هذه الكلمة استعبر عليه السلام حتّى انهملت دموعه وتقاطرت عبراته ، ثمّ قال : «يا ابن إسحاق ، لا تكلف في دعائك شططاً ، فإنّك ملاقٍ الله تعالى ، في صدرك هذا» .
فخرّ أحمد مغشياً عليه ، فلمّا أفاق قال : سألتك بالله ، وبحرمة جدّك رسول الله (ص) ، إلّا ما شرّفتني بخرقة أجعلها كفناً . فأدخل عليه السلام يده تحت البساط فأخرج ثلاثة عشر درهماً وقال : «خذها ، ولا تنفق على نفسك غيرها ، فإنّك لا تعدم ما سألت ، وإنّ الله تعالى لا يضيّع أجر من أحسن عملًا» .