العراق ورد ، ولا يسمّي بغيره ، فسجد القاسم ، ودخل كهل قصير يُرى أثر الفيوج عليه ، وعليه جبّة مصرية ، وفي رجله نعل محاملي ، وعلى كتفيه مخلاة ، فقام إليه القاسم فعانقه ، ووضع المخلاة ، ودعا بطشت وماء ، وغسل يديه وأجلسه إلى جانبه ، فأكلنا وغسلنا أيدينا ، فقام الرجل وأخرج كتاباً أفضل من نصف الدرج ، فناوله القاسم ، فقبّله ودفعه إلى كاتب له يقال له : ابن أبي سلمة أبو عبد الله ، فأخذه وقرأه [ وبكى ] حتّى أحسَّ القاسم ببكائه ، فقال : يا أبا عبد الله ، خبر ، خرج فيَّ فيما تركته ؟ قال : لا ، قال : فما هو ؟
قال : نعى الشيخ إلى نفسه بعد ورود هذا الكتاب إليَّ بأربعين يوماً ، وأنّه يمرض يوم السابع بعد وصول هذا الكتاب ، وأنّ الله يردّ عليه عينيه بعد ذلك ، وقد حمل إليه بسبعة أثواب .
فقال القاسم : على سلامة من ديني ؟ قال : في سلامة من دينك . فضحك وقال : ما أؤمل من بعد هذا العمر ؟
فقام الرجل الوارد فأخرج من مخلاته ثلاثة أزر ، وحبرة يمانية حمراء ، وعمامة ، وثوبين ، ومنديلاً ، فأخذه القاسم ، وعنده قميص خلعة خلعها عليه علي النقي عليه السلام .
وكان للقاسم صديق في مهم الدنيا ، شديد النصب يقال له : عبد الرحمن بن محمد السري فوافى (١) في قوم إلى الدار ، فقال القاسم : إقرؤوا الكتاب عليه فإنّي أحبّ هدايته . قالوا هذا لا يحتمله خلق من الشيعة ، فكيف عبد الرحمن ؟!
فأخرج القاسم إليه الكتاب ، وقال : إقرأه ، فقرأوه إلى موضع النعي ، فقال عبد الرحمن : يا أبا محمّد اتق الله فإنّك رجل واصل في دينك ، والله تعالى يقول : ( وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا
___________________
(١) في ش ، ص ، م : فورد .