تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ) (١) وقال جلّ ذكره : ( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا ) (٢) .
قال القاسم فأتم الآية : ( إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ ) (٣) فمولاي هو المرتضى من الرسول .
ثمّ قال : اعلم أنّك تقول هذا ، ولكن أرّخ اليوم فإن أنا عشت بعد هذا اليوم أو مت قبله فاعلم أنّي لست على شيء ، وإن أنا مت في ذلك اليوم فانظر لنفسك .
فأرّخ عبد الرحمن اليوم وافترقوا ، وحمّ القاسم يوم السابع واشتدَّت العلّة إلى مدّة ، ونحن مجتمعون عنده يوماً إذ مسح بكمّه عينيه فخرج من عينيه شبه ماء اللحم ، ثمّ مدّ يده إلى ابنه فقال : يا حسن ، إلي ، ويا فلان إليّ ، فنظرنا إلى الحدقتين صحيحتين .
وشاع الخبر في الناس ، وأتته العامة من الناس ينظرون إليه ، وركب القاضي إليه ، وهو أبو السائب عتبة بن عبيد الله المسعودي (٤) وهو قاضي القضاة ببغداد فدخل عليه ، وقال : يا أبا محمّد ، ما هذا الذي ترى وأراه ؟ فقال : خاتماً فصّه فيروزج ، فقرّبه منه فقال : ثلاثة أسطر لا يمكنني قراءتها .
وقد قال لمّا رأى الحسن ابنه في وسط الدار : اللهمّ ألهم الحسن
___________________
(١) سورة لقمان الآية : ٣٤ .
(٢) سورة الجن الآية : ٢٦ .
(٣) سورة الجن الآية : ٢٧ .
(٤) أبو السائب هو عتبة بن عبيد الله بن موسىٰ الهمذاني الشافعي ، تولى القضاء في مراغة وأذربيجان وهمذان ، ثم قدم بغداد فكان أول شافعي ولي قضاء بغداد ، عاش ستاً وثمانين سنة ، وتوفي في ربيع الآخر سنة إحدىٰ وخمسين وثلاثمائة ، راجع «سير أعلام النبلاء ١٦ : ٤٧ ، تاريخ بغداد ١٢ : ٣٢٠ ، البداية والنهاية ١١ : ٢٣٩» .