إلا أنّ هذه الكاشفيّة الظنّيّة لا واقع لها في الاستصحاب ؛ لأنّ أغلبيّة البقاء ليست مسلّمة مضافا إلى أنّ البقاء ليس مظنونا ، ولذلك ننكر إفادة الحالة السابقة بمجرّد حدوثها للظنّ بالبقاء ؛ لأنّ هذا يختلف باختلاف الحالة السابقة ، فمن الحالات السابقة إذا حدثت يعلم ببقائها ، ومنها إذا حدثت يعلم بارتفاعها.
وأمّا تعامل الناس على أساس البقاء عند الحدوث فهو إمّا لأجل الغفلة أو لأجل العادة والألفة.
ومن هنا يشكل إدخال الاستصحاب في الأمارات ؛ لعدم إحراز الظنّ بالبقاء عند الحدوث.
وإدخالها في نطاق الأصول يعني أنّ تفوّق الأحكام المحتملة البقاء على الأحكام المحتملة الحدوث في الأهمّيّة أوجب إلزام الشارع برعاية الحالة السابقة ، مع أنّ الأحكام المحتملة البقاء ليست متعيّنة الهويّة والنوعيّة ، فهي تارة وجوب ، وأخرى حرمة ، وثالثة إباحة ، وكذلك الأمر فيما يحتمل حدوثه ، فلا معنى لأن يكون سبب تفضيل الأخذ بالحالة السابقة الاهتمام بنوع الأحكام التي يحتمل بقاؤها.
وأمّا إذا قلنا بأنّ هذه الكبرى تدخل في الأصول ، فهذا يعني افتراض قوّة المحتمل ونوع الحكم الذي يحكي عنه الاستصحاب ، بمعنى أنّ الحالة السابقة كان يوجد فيها نوع واحد من الأحكام ، ولذلك رجّح الشارع الحكم بالبقاء تبعا لأهمّيّة هذا النوع ، على أساس المرجّح الكيفي.
إلا أنّ هذا غير صحيح ؛ لأنّ الحالة المحتملة البقاء ليس لها هويّة محدّدة ومشخّصة من جهة نوعيّة الحكم ؛ لأنّها تارة تكون وجوبا ، وأخرى حرمة ، وثالثة إباحة ورابعة ...
إلى آخره. فلا يمكن أن يكون الترجيح وملاحظة الأهمّيّة بنظر الشارع قائما على أساس الاهتمام بنوعيّة الحكم المحتمل ؛ لأنّه ليس واحدا ، نظير الحالة المحتملة الحدوث ابتداء ، فإنّها تختلف من حيث نوعيّة الأحكام المحتمل ثبوتها ، ولذلك لا يدخل في الأصول لعدم نوعيّة الحكم المحتمل.
وبعبارة أخرى : أنّ ملاك الأصل ـ وهو رعاية أهمّيّة المحتمل ـ يتطلّب أن يكون نوع الحكم الملحوظ محدّدا ، كما في نوع الحكم الترخيصي الملحوظ في أصالة