للكيفيّة فإنّ خبر الثقة كما يحكي عن الوجوب يحكي عن الحرمة ويحكي عن الإباحة والحلّيّة وما إلى ذلك ... وهذا ما يسمّى بالأمارات.
الثالث : أن تلحظ قوّة الاحتمال وقوّة المحتمل معا أي يلحظ المرجّحين الكمّي والكيفي ، ويكون جعل الحكم الظاهري على أساس هذين الأمرين معا ، أي أنّ هذا النحو ليس فيه كثرة المطابقة للواقع بحيث تكون هي ملاك الأهمّيّة ، وليس فيه نوع واحد من الأحكام يحكي عنه دائما بحيث تكون نوعيّة المحتمل هي الملاك ، وإنّما فيه من المرجّحين ، كما هو الحال في قاعدة الفراغ حيث لوحظ فيها كثرة الإصابة ؛ لأنّ الأغلب صحّة العمل عند الشكّ في صحّته بعد الفراغ منه ولوحظ فيها أنّ هذا العمل قد فرغ منه بحيث لو لم يفرغ منه فلا ترجيح لهذه القاعدة ، وهذا ما يسمّى بالأصول المحرزة أو التنزيليّة.
وعلى هذا نريد أن نعرف من أي قسم يكون الاستصحاب ، فهل هو أمارة أو أصل محض أو أصل محرز؟
وهذا يتطلّب أن نعرف حقيقة الاستصحاب وما هو الملاك الموجود فيه وما هو المحتمل وما هو الكاشف لنرى على أي أساس جعلت له الحجّيّة.
وعلى هذا الضوء إذا درسنا الكبرى المجعولة في دليل الاستصحاب واجهنا صعوبة في تعيين هويّتها ودخولها تحت أحد القسمين ؛ وذلك لأنّ إدخالها في نطاق الأمارات يعني افتراض كاشفيّة الحالة السابقة وقوّة احتمال البقاء مع أنّ هذه الكاشفيّة لا واقع لها ـ كما عرفنا في الحلقة السابقة (١) ـ ولهذا أنكرنا حصول الظنّ بسبب الحالة السابقة.
بعد أن عرفنا ملاك الأصل والأمارة نبحث في أنّ الكبرى المجعولة في دليل الاستصحاب هل تدخل في نطاق الأصول أو أنّها تدخل في نطاق الأمارات؟
والجواب : أنّه يوجد صعوبة في تحديد هويّة هذه الكبرى.
ووجه الإشكال هو : أنّنا إذا قلنا بأنّ هذه الكبرى داخلة في الأمارات فهذا يعني افتراض قوّة الاحتمال ووجود الكاشفيّة الظنّيّة في أنّ الحالة السابقة إذا وجدت فهي تبقى ، وهذا معناه ملاحظة الشارع للمرجّح الكمّي ، أي أنّ الأغلب هو وجود الظنّ بالبقاء عند الحدوث.
__________________
(١) تحت عنوان : أدلّة الاستصحاب.