فيقدّم الاستصحاب بالأخصّيّة على دليل أصالة الحلّ ، كما وقع في كلام السيّد بحر العلوم انسياقا مع هذا التصوّر.
قد يقال : إنّ تحديد هويّة الاستصحاب من كونه أصلا أو أمارة يؤثّر على كيفيّة الاستدلال بالاستصحاب وعلى كيفيّة علاج التعارض بينه وبين الأدلّة الأخرى ؛ لأنّه يوجد لدينا فرضيّتان :
الفرضيّة الأولى : أن يكون الاستصحاب أمارة فالاستدلال على الحكم الشرعي به يختلف عمّا لو كان أصلا ؛ لأنّه لو كان أمارة فيكون الدليل على الحكم الشرعي هو نفس الاستصحاب كخبر الثقة ، ولو كان أصلا فالدليل على الحكم الشرعي هو الأدلّة والروايات الدالّة على الاستصحاب لا الاستصحاب نفسه ؛ لأنّه يكون حكما شرعيّا تعبّديّا ، هذا من ناحية كيفيّة الاستدلال.
وأمّا من ناحية التعارض بينه وبين سائر الأدلّة وعلاج هذا التعارض ، فقد يقال أيضا ـ كما عن السيّد بحر العلوم والإمام الخميني ـ : إنّ الاستصحاب لو كان أمارة بحيث كان الملحوظ فيه قوّة الاحتمال والكاشفيّة عن الحالة السابقة ، فيكون الدليل هو نفس الحالة السابقة ، لأنّها هي الكاشفة عن البقاء ، كما هو الحال في خبر الثقة ، فإنّ الدليل هو كونه ثقة ؛ لأنّ الوثاقة هي الحيثيّة الكاشفة عن الصدق والمطابقة للواقع.
وحينئذ يجب أن تلاحظ النسبة بين نفس الحالة السابقة وبين دليل أصالة الحلّ والبراءة ، كما هو الحال بالنسبة لخبر الثقة حيث تلحظ النسبة بين خبر الثقة وبين الأدلّة الدالّة على أصالة الحلّ والبراءة وغيرهما عند التعارض.
وفي هذه الحالة يتقدّم الاستصحاب بمعنى الحالة السابقة ؛ لأنّه أخصّ من دليل أصالة الحلّ والبراءة ، إذ دليل أصالة الحلّ يشمل كلّ مورد شكّ في حليّته وحرمته سواء كان له حالة سابقة أم لا ، بينما الحالة السابقة التي هي الأمارة الكاشفة لا تجري إلا إذا كان هناك حالة سابقة مشخّصة ، فتكون أخصّ من دليل أصالة الحلّ فتقدّم لذلك.
وإن افترضنا الاستصحاب أصلا عمليّا وحكما تعبّديّا مجعولا في دليله فالمدرك حينئذ لبقاء المتيقّن عند الشكّ نفس ذلك الدليل ، لا أماريّة الحالة السابقة ، وعند التعارض بين الاستصحاب وأصالة الحلّ يجب أن تلحظ النسبة بين دليل