الاستصحاب ـ وهو مفاد رواية زرارة مثلا ـ ودليل أصالة الحلّ ، وقد تكون النسبة حينئذ العموم من وجه.
الفرضيّة الثانية : أن يكون الاستصحاب أصلا عمليّا فهذا يعني أنّه حكم ظاهري تعبّدي مجعول من الدليل الدالّ عليه ، فيكون الدليل الدالّ على الحكم الشرعي ليس الاستصحاب نفسه أو الحالة السابقة ، وإنّما الدليل الدالّ على الاستصحاب.
ولذلك عند التعارض بين الاستصحاب وغيره من الأمارات والأصول لا بدّ أن تلحظ النسبة بين الدليل الدالّ على الاستصحاب ـ والتي هي الروايات المتقدّمة الذكر كصحيحة زرارة وغيرها ـ وبين الدليل الدالّ على أصالة الحلّ أو البراءة أو خبر الثقة نفسه ؛ لأنّ التعارض إنّما يكون بين الأدلّة لا بين المؤدّى والمحكي فيها مباشرة.
وحينئذ ، فإذا لاحظنا النسبة بين دليل أصالة الحلّ وبين دليل الاستصحاب ، وجدنا أنّها العموم والخصوص من وجه ؛ وذلك لأنّ دليل أصالة الحلّ يفيد حلّيّة كلّ مشكوك الحلّية والحرمة ، سواء كان له حالة سابقة أم لا ، ودليل الاستصحاب يفيد جريان الاستصحاب في كل مورد له حالة سابقة ، سواء كانت الحالة السابقة هي الحلّيّة أو الحرمة أو شيئا آخر غيرهما كالعدالة والطهارة ونحو ذلك ، فيجتمعان في مشكوك الحلّيّة والحرمة الذي له حالة سابقة ويقع التعارض بينهما ، ولا يتقدّم أحدهما على الآخر بنفسه. نعم ، إذا وجدت المرجّحات الأخرى في أحدهما فيقدّم.
وهذا التوهّم باطل فإنّ ملاحظة نسبة الأخصّيّة والأعمّيّة بين المتعارضين وتقديم الأخصّ من شئون الكلام الصادر من متكلّم واحد خاصّة ، حيث يكون الأخصّ قرينة على الأعمّ بحسب أساليب المحاورة العرفيّة.
ولمّا كانت حجّيّة كلّ ظهور منوطة بعدم ثبوت القرينة على خلافه ، كان الخبر المتكفّل للكلام الأخصّ مثبتا لارتفاع الحجّيّة عن ظهور الكلام الأعمّ في العموم ، وليست الأخصّيّة في غير مجال القرينيّة ملاكا لتقديم إحدى الحجّتين على الأخرى ، ولهذا لا يتوهّم أحد أنّه إذا دلّت بيّنة على أنّ كلّ ما في الدار نجس ، ودلّت أخرى على أنّ شيئا منه طاهر قدّمت الثانية للأخصّيّة ، بل يقع التعارض إذ لا معنى للقرينيّة مع فرض صدور الكلامين من جهتين.
ويرد على هذا القول : أنّ التقديم بملاك الأخصّيّة والأظهريّة أو التخصيص