وفي مقامنا حيث ورد « لا تنقض اليقين بالشكّ » فكما يمكن على أساس مناسبات الحكم والموضوع أن يكون المراد من اليقين هو المتيقّن ؛ لكون التعبير بهذا اللفظ تعبيرا عما هو مركوز في الذهن العرفي ، والذي لا يأبى حمل اليقين على المتيقّن ، فكذلك يمكن أن تكون هذه المناسبة بين الحكم والموضوع معيّنة لكون اليقين المذكور في الروايات هو اليقين الموضوعي ، أي يكون له موضوعيّة في نفسه.
لأنّ الشكّ الذي يحرم أن يكون ناقضا لليقين هو تلك الصفة التي تحدث في النفس من التردّد والحيرة ، لا الشكّ بمعنى المشكوك ، إذ المشكوك لا ينقض المتيقّن ؛ لأنّهما أمران تكوينيّان خارجيّان متحقّقان بالفعل ، ولا يمكن لأحدهما أن يرفع الآخر وينقضه.
وإنّما يكون الشكّ بعنوانه ناقضا لليقين بعنوانه أيضا ، فإنّهما من الصفات النفسانيّة القلبيّة التي تتوارد على النفس فيكون أحدهما ناقضا للآخر وهادما له وحالاّ مكانه ، وبهذا يتعيّن حمل اليقين على معناه الأوّلي أي الصورة الذهنيّة بالحمل الأوّلي.
مضافا إلى أنّ اليقين يختلف عن العلم ، فإنّه يشتمل على الاستحكام والتصديق والإذعان بخلاف العلم ، فإنّه عبارة عن الصورة الذهنيّة التي تقبل التصديق والإذعان ، فالتعبير باليقين ظاهر ، بل نصّ في الموضوعيّة لا الطريقيّة والمرآتيّة.
وكان الأولى بصاحب ( الكفاية ) أن يستند في الاستغناء عن ركنيّة اليقين إلى ما لم يؤخذ في لسانه اليقين بالحدوث من روايات الباب.
فالأفضل والأحسن أن يستند صاحب ( الكفاية ) في إلغاء ركنيّة اليقين بالحدوث إلى الروايات التي ذكرت نفس الحدوث والحالة السابقة ، لا إلى ما ذكره من تفسير لليقين فإنّه غير تامّ في نفسه ، ولا يحلّ مشكلة تخريج جريان الاستصحاب في الموارد التي يثبت الحدوث فيها بالأمارة.
الوجه الثالث : أنّ اليقين وإن كان ركنا للاستصحاب بمقتضى ظهور أخذه في الموضوعيّة إلا أنّه مأخوذ بما هو حجّة ، فيتحقّق الركن بالأمارة المعتبرة أيضا باعتبارها حجّة.
الوجه الثالث : ما اختاره مشهور المحقّقين بعد صاحب ( الكفاية ) من أنّ اليقين بالحدوث ركن في الاستصحاب لدلالة ظاهر أخذه في الروايات على كونه مأخوذا